جميل الذيابي


لغة حادة. كلام من العيار الثقيل. laquo;مانشتاتraquo; طولية وفرعية وزّعها اللواء جميل السيد على صفحات الصحف وشاشات التلفزيون خلال أيام عيد الفطر، بعد أن عاد إلى بيروت من دمشق. اتهامات بالجملة وزّعها السيد، بحماية laquo;حزب اللهraquo;، والهدف إنهاء المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

laquo;على المفتشيraquo; كما يقول المصريون، هدّد المدير السابق للأمن العام اللبناني دولة مصر، واتّهم سفارتها في بيروت وأحد ديبلوماسييها ببث الفتنة. وأعلن عن رغبته في استخدام القوة ومد اليد على الحريري، في تجاهل للمؤسسات الشرعية والقضائية في البلاد، وهو سلوك laquo;حزب اللهraquo; منذ الاعتصام الشهير، واجتياح بيروت في 2008.

كانت غالبية الترجيحات والتحليلات السياسية تشير إلى أنه لا مناص من اتجاه الأوضاع داخل لبنان إلى الهدوء والسير ولو موقتاً، بتأثير مفاعيل القمة الثلاثية السعودية - اللبنانية ndash; السورية، التي عُقدت في بيروت في آخر شهر تموز (يوليو) الماضي، بهدف تهدئة السجالات والجدل السياسي، بعد أن شهدت الساحة اللبنانية على مدى السنوات الأخيرة، شحناً طائفياً ومذهبياً صعباً، كاد يعيد البلاد إلى أجواء الحرب الأهلية.

يبدو أن استقرار الأوضاع لم يُهضم من البعض، فخرج جميل السيد نيابة عن غيره يوزّع الاتهامات، ويتحدى ويتنطع ويهدّد بالصفع واستخدام القوة، مستنداً الى قوة laquo;حزب اللهraquo;. عاد من سورية واستشاط غضباً، مهدداً بكلام كـ laquo;السمraquo;، وأقسم في مؤتمر صحافي إن لم يعطه الحريري حقه، فإنه سيأخذه بيده. ثم طالب بإخضاع الحريري لآلة كشف الكذب، للتأكد من أنه laquo;لم يدعم شهود الزور ولم يموّلهمraquo;، ودعاه أيضاً إلى الاعتراف ببيع دم والده، لتنفيذ مشروع laquo;الشرق الأوسط الجديدraquo;، بل طالب الشعب اللبناني بالعصيان والتمرد، و laquo;رفض الوضع القائم، ولو بإسقاط الدولة بالقوة في الشارعraquo;.

لست معنياً بالدفاع عن الحريري، لكن التهديدات التي أطلقها اللواء السيد تحتاج إلى التدوين لمحاسبته إن لم تصدق ادعاءاته، كما يجب أن تأخذ حكومة الحريري تلك التهديدات على محمل الجد، وتضعها على طاولة السلطات المعنية داخل لبنان وخارجه في دفاتر المحكمة الدولية.

لا أعلم كيف كان اللواء السيد مسؤولاً ومديراً عاماً للأمن العام اللبناني، ويفترض به الإلمام بالقوانين المحلية والدولية. فهو يطالب سعد الحريري بإلغاء المحكمة أو إنهائها، بعد أن أصبحت مستقلة و laquo;مدولةraquo; وفق قرار من مجلس الأمن الدولي. أيضاً القضية لا تخص عائلة الحريري فقط، بل تعني لبنانيين آخرين اغتيلوا، وأصبح الحق فيها عاماً لا خاصاً. لكن يبدو أن السيد يشعر بدنو الخطر ويدفع من أطراف أخرى، فحاول laquo;تتبيلraquo; الكلام لإيهام الناس وتضليل الحقيقة، على افتراض أن موضوع المحكمة الدولية يمكن إلغاؤه بقرار سياسي وفق مزاج الحريري!

فتح السيد ملفات وتوسّع في التحدي ودبّج الاتهامات بادعاء التوثيق، مكرراً ضرورة محاسبة شهود الزور، وهي نغمة laquo;حزب اللهraquo; وحلفائه، ويراد من ورائها تخريب الأوضاع، وإعادة البلاد إلى الفوضى. ويبدو أنه لم يتواءم مع المرحلة اللبنانية الراهنة، وربما الوحيد من بين تيار المستقبل الذي واجه laquo;جنونraquo; لحظة جميل السيد بلغة حازمة، هو النائب عقاب صقر الذي فنّد كلامه، وذكّره بأفعاله وممارساته القمعية وفساده الأمني والمالي والإداري.

يتساءل المراقبون: هل يعقل أن يعود السيد من دمشق من دون أن يناقش ما سيقول في بيروت؟ أم أن لدى حلفاء دمشق مؤامرة ظاهرها إيجابي وباطنها سلبي؟ ولماذا عاد السيد من سورية شاهراً سيفه في وجه الحريري الذي اعترف بخطئه تجاهها؟

الأجواء اللبنانية ملبدة، والأوضاع مفتوحة على مرحلة سياسية جديدة بعد الانفلات الكلامي والأمني، خصوصاً بعد تدخل كوادر laquo;حزب اللهraquo; لحماية السيد حين عودته من باريس في تحد واضح للأنظمة والأجهزة اللبنانية، وهو ما يعني أن الفترة المقبلة ستشهد مرحلة تصادمية توضح مدى قدرة التفاهمات الإقليمية على الصمود. وكلام النائب من laquo;حزب اللهraquo; نواف الموسوي، الذي شارك في استقبال السيد مع كوادر laquo;حزب اللهraquo; لتأمين حمايته بقوله: laquo;إننا جئنا ننتصر للحقيقة والعدالة بعد تحويل الصراع الى طائفيraquo; له معان كثيرة وخطرة، وتضع تلك التفاهمات على محك صعب وحبل مشدود.

خطوط الاتصالات بين الرياض ودمشق اليوم مفتوحة، والعلاقات جيدة جداً، وليس كما كانت عليه بعد اغتيال رفيق الحريري، وهو ما يستدعي من سورية توضيح الأمور، حتى وإن كان السجال اللبناني الحاصل laquo;شأناً داخلياً لا يخصهاraquo;. خصوصاً أن بعض حلفائها عندما يزورونها يطلقون العنان للتهديدات، ويشرعون في سوق الاتهامات، ويستمرون في التصعيد باستخدام لغة سوداء.

أعتقد أن على دمشق بعث رسالة واضحة تبيّن أنها ما زالت ملتزمة بما تم التفاهم عليه في القمة الثلاثية، وأنها لا تتفق مع ما جاء في كلام جميل السيد بعد زيارته لها، كون كلامه مريباً ولا يخلو من ترهيب الدولة، حتى لا يستمر تهشيم أبواب التفاهمات، وحتى يتوقف السيد وشخصيات أخرى عن إيهام الناس بأن أقوالهم تأتي وفق نصائح سورية.