وفيق السامرائي


مرة أخرى كشف الأمن البحريني معلومات عن مخططات إرهابية خطرة، تعطي بمجملها انطباعا واضحا عن النهج الأساسي لما يسمى laquo;تصدير الثورة الإسلاميةraquo;. ودأبت القيادة البحرينية على تفادي ذكر الجهة الخارجية الداعمة والمحرضة على هذه الأفعال، لعدم مساعدة الموقفين الإقليمي والدولي على تصادم دولة صغيرة مع جهة مارقة، فضلا عن أن هذه الجهة معروفة للجميع.

قبل ثلاثين عاما أطلقت إيران شعار تصدير الثورة. وفي ذروة حرب السنوات الثماني، وعندما أعمى غرور مكتسبات تكتيكية بصيرة بعض المسؤولين غير المؤهلين لقراءة المواقف الاستراتيجية، وزعوا خرائط كتبت عليها عبارة laquo;كربلاء طريق القدسraquo; ورسموا علامات الطريق. ولم يكتفوا بهذا القدر، بل أطلق قائد القوات البرية وقتئذ الجنرال صياد شيرازي تصريحا قال فيه إنه سيصلي الجمعة القادمة في كربلاء، فيما كانت قواته تواجه إرادة دفاعية غير عادية. وبعد نحو ثلاثة عقود ساعدت فرص الزمن السيئ قيادات منهم على التجول في كربلاء وتبين كذب شعاراتهم.

لقد تقوقعت نشاطاتهم في غزة، وارتبكت مخططاتهم في لبنان، وتكبد laquo;أنصارهمraquo; في اليمن خسائر فادحة، ولم يكتفوا بما حققوه في العراق. فرموا بثقلهم لزعزعة استقرار البحرين بمخطط شامل خطير ينبغي ربط حلقاته وعدم أخذها مجزأة. بدءا مما سبق إعلانه عن قضية الوزير، ووصولا إلى ما أعلن عن كشف شبكة إرهابية، وما حدث بعدها من تفجيرات استهدفت الإخلال بالأمن العام، ووقف تقدم مملكة تسير بخطوات ثابتة على كل الاتجاهات، بما في ذلك تعزيز ديمقراطية متوازنة تحافظ على الهوية الوطنية والقومية.

المسؤولون عن تصدير الثورة لا يملون ولا يكلون، لأنهم ليسوا أفرادا ولا خلية أزمات مؤقتة، بل مؤسسات ضخمة وضعت تحت تصرفها إمكانات كبيرة، وتعمل تحت سقف مرتفع من الصلاحيات التي لا صلة لرئيس الجمهورية بها.

ومع أن الأجهزة الأمنية العربية عموما أثبتت كفاءة عالية في رصد وتتبع عملاء فيلق القدس، ومع وجود عمليات تنسيق أمني واستخباري بين دول الخليج، فإن أبعاد الهجمة تتطلب تعميم ثقافة المعرفة عن أساليب الخداع والتوريط والإغواء. وإعداد سيناريوهات لأسوأ الاحتمالات وتحويلها إلى ممارسات تدريبية على طريقة laquo;لعبة الحربraquo;.

وعلى الرغم من أن البحرين مستهدفة بشكل رئيسي في منطقة الخليج لأسباب واضحة، فإن الآخرين ليسوا بعيدين عن المخططات. وهناك أكثر من دولة مرشحة لكشف حالات مماثلة نسبيا، يفضل الإعلان عنها، لأنها لن تكون بعيدة عن التداول المحلي، إذا ما جرى اتخاذ خطوات قانونية تجاه المعنيين. وما عملية الكشف البارع لخلية التجسس والتخريب في الكويت في أبريل (نيسان) الماضي إلا دليل على وقوع الخليج كله تحت المارقين.

لقد خضعت الجمعيات الخيرية في دول الخليج لرقابة محلية وأميركية، ولم يرد ما يشير إلى أن مؤسسات laquo;الخمسraquo; تخضع لتدابير مماثلة. وربما يكون نقل الأموال خارجيا أكثر خطرا من صرفها داخليا، لأنها قد تصل في النهاية إلى الجهات المقصودة، وجحور تخطيط الإرهاب في طهران ليست بعيدة عن الجهات المعنية.

ما يحدث في البحرين يثبت صعوبة التعايش بين النظام الإيراني والمحيط العربي، والبلد الذي لم يتحرك ضده عملاء المخطط لن يكون مستثنى كليا، بل إلى أجل معين. فكيف سيكون الحال لو هيمنت إيران في المحصلة النهائية على العراق وبلغت غايتها النووية؟

الموقف يتطلب وضع إيران بنظامها الحالي، على أعلى درجة من سلم الاهتمامات، وتشديد الإجراءات الأمنية، ومنع نشر الأفكار التحريضية، ووقف السجالات الطائفية عبر وسائل الإعلام، وتقييد السلوك الخاطئ من حرية الترويج الديني.

ومن أهم ما ينبغي التركيز عليه هو: تقوية بناء أجهزة الأمن والقوات المسلحة، وتعزيز أذرع النفوذ الاستخباري إلى مراكز التخطيط والتوجيه، وعدم الاكتفاء باتخاذ تدابير حماية محلية، والعمل مع المجتمع الدولي لفرض تطبيق صارم للعقوبات على النظام الإيراني، وجعله يدفع ثمنا لإصراره على اتباع سياسة التحدي. وعدم الأخذ بالتقديرات الخاطئة أو المجاملة للنظام، التي تتحدث عن أن العقوبات تقوي النظام وتضعف معارضيه، وما إلى ذلك من الرؤى والأفكار السطحية. فالعقوبات المصوبة بالاتجاه الصحيح تضعف قدرة النظام، وتشجع المعارضين الصادقين على الحركة، وتتيح فرصا قوية للضغط الشعبي، فضلا عن دفعها المزيد من الدبلوماسيين إلى تبني مواقف انحياز لحركة المعارضة الديمقراطية، فيتآكل النظام من داخله وفي محيطه.