حليمة مظفر

منذ بداية عام 2010 الذي نعيشه وشجرة الفكر العربي تسقط أوراقها القليلة والنادرة في خصوبة تأثيرها ورقة إثر ورقة؛ إيذانا بخريف فكري شتوي، أخشى فيه ما أخشاه من دخول الفكر العربي المعاصر بعدها في سبات عميق، وهو في أول عقد من القرن الحادي والعشرين ويعيش ظلمات بعضها فوق بعض، في ظل المفارقات التي يعيشها الإنسان العربي من حياة التكنولوجيا والاتصالات السريعة؛ إنسان مسلوب الإرادة يخاف إرباك الأسئلة في ظل إجابات quot;التك أويquot; السريعة التي يحصل عليها بعد تساؤلات quot;الجنك ميلquot; الجاهزة.
خلال هذا العام فقدنا عددا من كبار المفكرين والمبدعين العرب الذين أثروا في ساحة التفكير الإسلامي العربي؛ وسواء اختلفنا أو اتفقنا معهم فكريا؛ لكنهم على الأقل فكروا بصوت عال معلنين بذلك امتدادهم التاريخي لتلك الشخوص المميزة في كتبنا وعلومنا كالجاحظ وابن سينا وابن رشد وابن الطفيل وغيرهم؛ ويعلنون ذلك عبر منجزاتهم الفكرية وأبحاثهم العلمية وآرائهم الصريحة التي لا تتسم بأنها آراء جاهزة كما يفعل كثيرون في عصرنا الحالي، ممن تصالحنا على تسميتهم بمفكرين وهم في منأى عن ذلك؛ إذ كانت البداية في مارس الماضي حيث توفي شيخ الأزهر محمد حسن طنطاوي، وبعده بيوم واحد توفي المفكر المصري فؤاد زكريا، وفي شهر مايو كان رحيل المفكر المغربي المؤثر محمد عابد الجابري، وجاء يوليو وأخذ معه المفكر المصري المنفي نصر حامد أبو زيد، أما شهر أغسطس الذي يدلل حرارة الشمس القاسية على رؤوسنا المليئة بخلايا التفكير المثلجة فكان أشد سخونة على الفكر العربي المعاصر حين أتى وأخذ معه ثلاثة؛ أولهم المفكر والكاتب الكويتي أحمد بغدادي ثم الأديب الجزائري الطاهر وطار وانتهى بالأديب والدبلوماسي والمفكر السعودي غازي القصيبي، ويبدو أن 2010 لا يريد أن يرحل ويكتفي بمن رحل؛ لذلك جاء سبتمبر الحالي وأخذ منذ أيام المفكر الأمازيغي الجزائري محمد أركون الذي يُعد علامة مهمة جدا في ساحة التفكير العربي المعاصر بما أنجزه من أطروحات فكرية عربية إسلامية، وإن كانت في كثير منها مسائل مصادمة لثوابت العقول المدجنة بتاريخها المشخصن، ولكنها تبقى من المسائل المحرضة على تفكير مستنير فيما طرحه من أفكار جريئة على صعيد اللغة والعقائد البشرية، وما أسماه بالجهل المقدس والجهل المؤسس وغير ذلك.
إن ما طرحه أركون والمفكرون السابقون رحمهم الله جميعا ورحمنا معهم؛ من أفكار جريئة على ساحة الفكر العربي الإسلامي، إنما تحرض على البحث عن إجابات لأسئلة مُحرمة في العقل الجمعي العربي، لكنها أسئلة لم يحرمها الدين العظيم وحث عليها في كتاب الله الكريم؛ فهي بوابة لإيمان أقوى لو كنّا ندرك قيمة السؤال كمفتاح للتعلّم لا للعلم فقط؛ وأخيرا؛ رحم الله هؤلاء جميعا وأسكنهم فسيح جناته؛ وأدعو الله تعالى أن يرحمنا في 2010 ويفتق لنا أوراقا أخرى أكثر خصوبة بقادم الأيام للتفكير العربي.