تركي العسيري

المتابع للسجال الفقهي بين بعض طلاب العلم الشرعي، وبعض المثقفين، سيلحظ بروز نغمة التعصب، والإقصاء، laquo;والتجهيلraquo;، وماكان ذلك (ديدن) العلماء الأوائل الذين كانوا أكثر تسامحا، وقبولا للرأى الاخر، دون اللجوء إلى لغة (الانتقاص)، والتعصب، فتلك القضايا التي أشبعت بحثا، وحوارا، ليست في مجملها قضايا جديدة، بل خاض في غمارها الخائضون من قدامى ومحدثين، دون تشنّج أو تعصّب أو إقصاء، بل تسلّح بالدليل لاغير.

وفي زعمي أن مصائب الأمة الإسلامية، ومصدر خلافها منذ القدم ليس في (النص المقدس)، بل في التفسير البشري لهذا النص، أو تلك الأحاديث الصحيحة، خاصة وأن أيا من العلماء المتقدمين منهم والمتأخرون لايمكنهم أن يدّعوا أنهم وحدهم الذين يملكون laquo;مفاتيحraquo; الحقيقة المطلقة التي تخولهم للقول الفصل، (فقولك صواب يحتمل الخطأ، وقول الآخرين خطأ يحتمل الصواب)، عدا عن أن (كلا يؤخذ منه ويرد عليه) إلا الرسول الذي لاينطق عن الهوى -صلوات الله وسلامه عليه-، فلا عصمة لأحد من الوقوع في الخطأ.

من هنا فإن علينا كطلاب علم شرعي، أو مثقفين، أن نكون أكثر تسامحا، وبعدا عن التعصب للرأي، وأن يكون هدفنا الوصول إلى الحق، وتتبع الدليل الراجح الذي لالبس فيه. نحن في حاجة إلى إعادة نظر في كثير من القضايا التي طرأت واستجدّت في مسار حياتنا المعاصرة، والوقوف على آراء العلماء الذين رأوا الجواز في بعض تلك المستجدات، فنحن جزء من هذا العالم الاسلامي، ولابد أن لأولئك العلماء أدلتهم الشرعية، ومبرراتهم المقبولة، أما (التقوقع) والتعصب لرأي واحد، فتلك إقليمية ضيقة، نربأ بطلاب العلم الشرعي لدينا الوقوع في براثينها. نحن نجّل علماءنا، ونعترف بفضلهم وعلمهم، كما أننا نجلّ علماء الأقطار الإسلامية الأخرى ونعترف بعلمهم وفضلهم، فديننا الإسلامي دين عالمي لايقتصر على قطر بعينه، أو علماء بلد دون آخر.. ولذلك كان أغلب علماء الأمة الإسلامية العظام ليسوا عربا، كالبخاري، ومسلم، والترمذي، وغيرهم الكثير، ففي ظل التسامح والبعد عن التعصب الذي عاشه الفكر الإسلامي في الأزمان السابقه، برزت الآراء المتعددة، وشاعت ثقافة الحوار، واحترام المخالف في الرؤى.

نغمة التعصب، ينبغي أن تختفي من قاموس حوارتنا الفقهية، أو الفكرية، لندلل على مدى انفتاحنا على كل الآراء في سبيل الوصول إلى الحقيقة، باعتبارها ضالة المؤمن الذي ينشدها.