عبد الرحمن الراشد


ليس مستغربا أن يكون الرئيس الإيراني أحمدي نجاد نجما في الحفل الخطابي السنوي للأمم المتحدة عند مقارنته بالمائة والواحد والتسعين وفدا الذين يشاركون في اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك، فهو الوحيد الذي يخوض معركة مع كبرى الدول في العالم. لهذا، كانت كل تفاصيل زيارته إلى نيويورك المملكة تتصدر الصحف العالمية، حتى خبر طباخ الوفد الرئاسي الإيراني كان حديث الإعلام، بعد أن غادر بعض نزلاء الفندق الذي يسكن فيه نجاد غاضبين من رائحة الطبيخ. وكذلك خبر الفوضى التي دبت في بهو الفندق عندما تدافع نحو ثلاثين من أعضاء الوفد السوداني قيل إنهم جاءوا للسلام على الوفد الإيراني، وبسبب التدافع اشتبكوا مع الحرس الرئاسي الإيراني، ومع الأمن الأميركي، فاعتقل اثنان منهم وأطلق سراحهما لحصانتهما الدبلوماسية.

ويبدو أن الرئيس الإيراني تستهويه الأضواء، لهذا لم تفته زيارة الأمم المتحدة في كل عام منذ توليه الحكم، حيث توجد جيوش إعلامية من أنحاء العالم. وفي كل عام، يخرج نجاد عليهم بقنبلة صوتية تثير الجدل حوله، وآخر قنابله اتهامه الأميركيين بأنهم من ارتكب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وهذه وحدها كافية بزيادة رصيده من العداوات في داخل الولايات المتحدة تحديدا وإثارة اللغط.

لماذا يزيد عداواته؟ هل شخصيته فظة أم أنه يفعلها متعمدا؟ ألا يدرك أن تهجما كهذا في العلن سيجلب عليه المزيد من المشكلات، حتى الذين يقفون على الحياد في شأن المواجهة ضد إيران لا يستطيعون السكوت عليه؟ حقيقة لا أفهم كيف يزن الرئيس نجاد كلماته، هذا إن كان لديه ميزان للكلمات.

والحقيقة أنني أخطأت قراءة الاستعدادات لزيارة الرئيس نجاد، حيث ظننته هذه المرة ذاهب إلى الجمعية العامة وفي جعبته مفاجآت تصالحية، فقد بدت حكومته تقدم تنازلات تصالحية؛ فأجلت رجم المرأة المتهمة بالزنى بعد الضجة الإعلامية الدولية، كما تحدث مسؤولون في الحكومة الإيرانية عن استعدادهم للعودة إلى التفاوض النووي من دون شروط، بعد أن كانوا يرفضون العودة إلا بشرط رفع العقوبات. وقررت إطلاق سراح الفتاة الأميركية المعتقلة بتهمة التجسس واختراق الحدود. كل ذلك أوحى بأن الرئيس نجاد قدم إلى نيويورك راغبا في مد يده وإحراج الرئيس الأميركي أمام العالم، لكنه بالفعل مد يده وسدد لطمة غير متوقعة للرئيس أوباما، عندما اتهم الأميركيين بارتكاب جريمة هجمات الحادي عشر من سبتمبر. بذلك، يبدو أنه أجهز على كل ما يمكن أن يصالحهم عليه.

وقد يسأل أحدهم: ما الضير في بضع كلمات استفزازية ما دام أن العلاقات هبطت إلى الحضيض بين البلدين؟ السبب أن مثل هذه الأفعال تجعل إيران هدفا سهلا أمام الرأي العام، الذي يعتبر البوابة الأولى في أي عمل ضد إيران غدا، فرجم امرأة، وإنكار المحرقة، واتهام الأميركيين بافتعال هجمات سبتمبر، وحبس مواطنين أميركيين، وبناء سلاح نووي ضدهم، وتهديد مصالحهم، كلها صور متلاحقة ستجعل الضغط يزداد على حكومة أوباما لارتكاب عمل ما ضد إيران. والعادة أن كل خصوم أميركا يحاولون - عادة - شق صفها إلا الرئيس الإيراني الذي نجح في توحيده، ولكن ضد نفسه!