حسان حيدر


يطرح تقسيم السودان الذي بات شبه مؤكد ولا ينقصه سوى اعلان النتائج الرسمية للاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي سيجرى بعد مئة يوم، تساؤلات عن الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية التي تسلمت الحكم في الخرطوم بعد انقلاب 1989 في ايصال البلاد الى هذا الفشل الذريع في الحفاظ على الوحدة الجغرافية والمواطنية، والذي يفتح الباب امام انقسام آخر ربما في الشرق الدارفوري، او ما اذا كانت هذه الحركة التي انقلبت ايضاً على مؤسسيها قد laquo;نجحتraquo; في ازالة laquo;العقبة الرئيسيةraquo; امام اقامة laquo;امارةraquo; اسلامية خالصة في الشمال.

وبين laquo;الفشلraquo; و laquo;النجاحraquo; يسجل التاريخ ان السودان سيكون الدولة العربية الأولى في مرحلة ما بعد الاستعمار التي تقسم بموجب laquo;أمر واقعraquo; داخلي وصمت عربي ورعاية دولية، فيما تتراجع نظرية laquo;المؤامرةraquo; الجاهزة للاستخدام كلما واجه نظام عربي أزمة في ايجاد ارضية مشتركة بين مكونات شعبه المتنوعة دينياً وعرقياً، مثلما هي الحال في العراق ولبنان.

واذا كان نظام البشير يقدم نفسه على انه laquo;ضحيةraquo; تراكم ظروف وعوامل داخلية وخارجية حرمته من اي خيار آخر سوى القبول بنتائج الاستفتاء، في اطار موافقته على انهاء اطول حرب اهلية في افريقيا، فإن منتقديه يردون بأنه شجع عملياً على الانفصال عندما امتنع اساساً عن ممارسة شراكة صحيحة مع الجنوبيين الممثلين في حكومة الخرطوم ورفض مبدأ التقاسم الفعلي للسلطة، وتلكأ في تقديم اي حوافز للجنوبيين لإبقائهم داخل الوطن الأم، وتعامل معهم سلفاً على اساس انهم كيان مستقل وباشر التفاوض مع laquo;الحركة الشعبيةraquo; التي تمثلهم على ملفات لمرحلة ما بعد الانفصال وتقاسم الثروة النفطية والمياه وسواها، حتى انه لم يتردد في اعلان انه سيسقط الجنسية عن الجنوبيين فور اعلان نتائج الاستفتاء، قاطعاً بذلك الطريق على اي احتمال للتعددية في الشمال.

ويقول المنتقدون ايضاً ان الإسلاميين وصلوا الى الحكم في وقت كان العالم يقطع خطوات متقدمة نحو الاعتراف بحق الاختلاف، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانقسامه جمهوريات قومية ثم مع تفكك دول مثل يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا على اساس عرقي وديني، فلم يدركوا اهمية هذا التغيير في المفاهيم الدولية، ولم يفعلوا شيئاً لتفادي المصير نفسه، لو كانوا فعلاً راغبين في تجنبه. فهم أصروا على أسلمة القوانين وفرض تطبيقات الشريعة من دون مراعاة الواقع التعددي، والتضييق على الأقليات وحرمانها من حقوقها تدريجياً، ولم يقدموا تطمينات عملية لشركائهم بأن المد الأصولي لا يعرض الوحدة الوطنية للخطر ولا يدخلها في تجارب غير مضمونة النتائج مثلما حصل.

تصرف نظام الخرطوم وفق مبدأ وحيد هو ضمان استمراريته، فلم يتنبه الى ان الحروب laquo;الداخليةraquo; جغرافياً لم تعد شأناً داخلياً للدول، بل صار لها بعد دولي يمكن ان يؤدي الى معاقبة انظمة وحتى سقوطها، فكان ان تورط ايضاً في اغراء ممارسة القوة في دارفور، ما جعل رئيسه مطلوباً للعدالة الدولية، وزاد من سعيه الى محاولة استرضاء العالم عبر التخلي اكثر عن جنوبه وبشروط لفظية فحسب.