محمد السعيد إدريس

بعد مرور عام تقريباً من إعلان الرئيس الأمريكي أوباما استراتيجيته ldquo;الجديدةrdquo; بخصوص الحرب في أفغانستان (يناير/ كانون الثاني 2010)، يبدو أن الرئيس الأمريكي وجد نفسه مضطراً لإجراء مراجعة لهذه الاستراتيجية، تأخذ في اعتبارها نجاحات وإخفاقات استراتيجيته على مدى عام، وتعلن موقفاً واضحاً وصريحاً من مسألة بدء انسحاب القوات في يوليو/ تموز ،2011 وإتمام هذا الانسحاب مع نهاية عام ،2014 بحيث تتسلم قوات الأمن الأفغانية المسؤولية كاملة .

كانت هناك ضرورة، أدركها أوباما على ما يبدو، للإجابة عن الأسئلة المهمة المثارة بهذا الخصوص وبالذات: هل مواعيد هذه الانسحابات مازالت ملائمة؟ وهل مازال عند وعوده بهذه المواعيد وإنجاز الانسحاب من أفغانستان؟ لكن السؤال الأهم بعد هذا كله هو ماذا حققت أمريكا من وعودها في أفغانستان؟ وكيف ستترك هذا البلد بعد الانسحاب؟ وهل سيكون تقييم هذا الانسحاب باعتباره انسحاب نصر أم انسحاب هزيمة؟

أسئلة مهمة ضاعفت من أعباء ومسؤولية إجراء هذه المراجعة للاستراتيجية الأمريكية، خاصة أن دعوة المراجعة تزعّمها الجنرال الأمريكي ستانلي ماكريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان مبكراً، وبعد إقرار هذه الاستراتيجية بثلاثة أشهر فقط، وهي الاستراتيجية القائمة على تكثيف العمل العسكري ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة، واضطر إلى الاستقالة من منصبه بسبب انتقاداته لسياسات الإدارة الأمريكية في أفغانستان غير الواعية بحقيقة التطورات في هذا البلد، سواء ما يتعلق بالقوة العسكرية لحركة طالبان من ناحية، أو الفساد المستحكم في إدارة الرئيس حامد قرضاي .

استقالة أو إقالة الجنرال ماكريستال وإحلال الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات المركزية الأمريكية مكانه كانت خطوة أوليّة ضمن المراجعة المطلوبة، لكن وفاة ريتشارد هولبروك الموفد الأمريكي الخاص بأفغانستان وباكستان المفاجئة، والفراغ الكبير الذي تركه هذا الرجل بالنسبة لإدارة السياسة الأمريكية في أفغانستان والعلاقة مع باكستان ووصيته المهمة التي ظلّ يرددها أمام أهله قبيل رحيله، وهو على فراش المرض، ضاعفت من ضغوط المراجعة على الرئيس الأمريكي .

وصية هولبروك التي ظلّ يرددها هي ldquo;اخرجوا من أفغانستانrdquo; . فقد أكد أطباؤه أنه ظلّ يردد هذه الدعوة ويطالب بسرعة ldquo;وقف الحرب في أفغانستانrdquo; . هذه الوصية فرضت حصاراً معنوياً على الرئيس الأمريكي وإدارته أمام الرأي العام المتحفز والمطالب بهذا الانسحاب، فهي وصية وشهادة في الوقت ذاته من أبرز خبراء ورجال أمريكا في هذه الحرب، وإعلانها في لحظة مفارقة الحياة يكسبها أهمية معنوية مضاعفة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ردود الفعل الواسعة التي أحدثها رحيل هولبروك، ومدى الشعور بالفجيعة لغيابه، لدى الرئيس أوباما وإدارته ما جعل وصيته هذه تشكّل عامل ضغط يصعب تجاوزه عند مراجعة أوباما استراتيجيته في أفغانستان، حيث كان من المتوقع أن يستجيب لدعوة هولبروك، وأن يكيّف استراتيجيته مع مقررات مؤتمر لندن الخاص بأفغانستان الذي عقد يوم 26 يناير/ كانون الثاني ،2010 وطالب بالتركيز على أمرين، أولهما: تقديم معونات سخيّة للحكومة الأفغانية كي تستطيع توفير وظائف لمن يمكن إغراؤهم من شباب حركة طالبان بالتوقف عن القتال، والانسحاب من الحركة، في محاولة لتفريغ حركة طالبان من مقاتليها، وتقديم إغراءات كافية بالتخلي عن خيار الحرب، وثانيهما: إجراء حوار مع حركة طالبان للتوصل إلى مصالحة سياسية، شرط إلقاء السلاح وقطع العلاقة مع تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; .

ففي هذه المراجعة لم يحدث تراجع عن مركزية وأولوية الحل العسكري واعتماد حل سياسي بديل أضحى مطلباً أفغانياً، بل جرى تأكيد الاعتماد على الحل العسكري لكسر شوكة طالبان وإجبارها على الحوار من موقع الضعف وليس من موقع القوة، وإضعاف أي وجود لتنظيم القاعدة داخل أفغانستان وتكثيف الهجوم على كل الملاذات الآمنة لهذا التنظيم في إقليم غربي باكستان، ما يعني أن الانسحاب لم يعد هدفاً في ذاته بقدر ما أضحى الانتصار العسكري هو الهدف، أو على الأقل التظاهر بتحقيق هذا الانتصار .

غموض يكشف عن ارتباك يسيطر على مراجعة أوباما وإدارته لاستراتيجيته في أفغانستان، وهو ما دفعه (أوباما) إلى استخدام مصطلحات بدت هي الأخرى مرتبكة ليشرح ما يريد، مثل ldquo;الانسحاب المسؤولrdquo;، وأن الحرب لاتزال ldquo;مهمة صعبة للغايةrdquo;، وأن ldquo;هزيمة القاعدة ستستغرق وقتاً، والتنظيم مازال عدواً صعباً لا يعرف الرحمة ومصمم على مهاجمة بلادناrdquo; .

العبارة الأخيرة أراد بها أوباما أن يبرر التمسك باستراتيجيته التي تعطي الأولوية للعمل العسكري من دون اعتبار لمطالب الحل السياسي والحوار مع طالبان ووصية هولبروك، وكلها مؤشرات تؤكد أن استراتيجية أوباما في أفغانستان مازالت استراتيجية مأزومة، وأن أفغانستان هي أول من سيدفع ثمن هذه الاستراتيجيات المأزومة، بشهادة روبرت غيتس هذه المرة .