ياسر سعد

أطلقت منظمات غربية مشروعاً سمته القمر الصناعي الحارس لمراقبة ما وصفته بانتهاكات حقوق الإنسان والمخالفات الأمنية في السودان قبل الاستفتاء على مصير الجنوب المقرر يوم التاسع من يناير الجاري. مشروع القمر الصناعي تم تمويله من منظمة تسمى laquo;لن يحدث تحت أنظارناraquo; والتي أسهم في تأسيسها الممثل الأميركي جورج كلوني وممثلون آخرون في هوليوود.
وبموجب المشروع ستصور أقمار صناعية تجارية شمال وجنوب السودان أي قرى تحرق أو تقصف، وترصد التنقلات الجماعية للأشخاص أو أي أدلة أخرى على العنف. وضم المشروع الغربي برنامج الأمم المتحدة laquo;يونوساتraquo; وجامعة هارفارد وشركة غوغل ومنظمة الممثل كلوني.
وسيقوم laquo;يونوساتraquo; بجمع وتحليل الصور، في حين ستقوم مبادرة هارفارد للشؤون الإنسانية بالبحث ومزيد من التحليل، والتأكد من التقارير الميدانية التي سيقدمها مشروع لمناهضة ما يسمى الإبادة الجماعية. في حين صممت شركة غوغل وشركة تريلون المتخصصة في تطوير الإنترنت منصة إنترنت لإطلاع الجمهور على المعلومات بهدف الضغط على المسؤولين السودانيين.
هذا الخبر بالإضافة إلى الأخبار الواردة من السودان وحوله في الأشهر الأخيرة والتي تريد أن تدفع بالبلد العربي الإفريقي العملاق دفعا حثيثا نحو الانفصال والتشرذم، لينضم إلى قائمة الدول العربية والإسلامية المهددة بالاندثار والموصوفة بالدول الفاشلة، أمور تشعرنا بمشاعر عميقة من الحزن والإحباط. السودان يتعرض لضغوط رهيبة وتواجه قيادته إغراءات عديدة للتسليم بواقع الانقسام والتفكك والذي يبدو أنه لن يتوقف عند حد الدولتين فحسب. فالإدارة الأميركية وعدت السودان بمعاملة خاصة وبإزالة اسمه من الدول الداعمة للإرهاب إن هو سلم بالاستفتاء وبالانفصال واقعا، فيما تتوعده بالعقوبات والحصار وعن طريق أوكامبو بالمحكمة الجنائية الدولية إن لم ينصَع لرغباتها.
الفن والسياسة والتقنية والأكاديمية تتوحد في الولايات المتحدة من أجل تفتيت بلد عربي مسلم وتحت لافتة حقوق الإنسان. أية صفاقة تلك التي تتحجج بحقوق الإنسان وتتبجح بها وتستخدمها أداة سياسية رخيصة في السودان وفي غيره فيما لا تغمض العين عن انتهاكات الصهاينة لحقوق الإنسان في محرقة غزة وفي جرائمه ضد الإنسانية هناك فحسب، بل وتدافع عنها في المحافل الدولية.
أين هذا التحالف العابث من مصرع أكثر من مليون عربي ومسلم في حربي أميركا على العراق وأفغانستان؟ بل وأين هو من الانتهاكات الأميركية في غوانتنامو وفي السجون السرية والطائرة؟ استخدام حقوق الإنسان كأداة سياسية رخيصة هو برأيي من أشد وأبشع الانتهاكات لتلك الحقوق، كما أن ذلك التحالف يرفع علامات استفهام على الدور الكبير والخطير والذي تلعبه مؤسسات تقنية مثل غوغل في خدمة السياسة الأميركية إن لم تكن ابتداء -مثلها مثل الفيس بوك- أدوات استخباراتية للسيطرة والهيمنة.
وإذا كان المرء يشعر بالمرارة تجاه الصلف الأميركي والغربي وتدخلاتهم التي لا تنقطع في شؤوننا وفي العبث بحاضرنا وصياغة مستقبلنا، فإن اللوم الأساسي يجب أن يوجه إلى النظام العربي الرسمي ابتداء والذي يشجع ضعفه وهوانه الآخرين على تجاوز حدودهم. فلن يكون السودان الحلقة الأخيرة في سلسلة التفكيك وإعادة التشكيل في ظل حكومات فاسدة مترهلة منشغلة بالتوريث وبتقاسم مقدرات الأوطان والتصرف فيها كمزارع خاصة وممتلكات شخصية.
تتحمل قيادة الإنقاذ في السودان جزءا كبيرا من حالة الترنح والضعف الذي أصاب السودان، ولا تشفع لها توجهاتها الإسلامية المعلنة في مواجهة فشلها الذريع، فالحكومة التي جاءت لإنقاذ السودان، تشهد البلاد في عهدها تفككا وتفتيتا. والرئيس عمر البشير والذي دخل هو الآخر في قائمة الحكام العرب المتشبثين بالسلطة بتجاوزه فيها أكثر من عقدين شهدت مواقفه تأرجحاً وخفة غريبين وغياباً للتخطيط والاستراتيجية الواضحة. فمن الجهاد لحماية الوحدة إلى الترحيب بدولة جنوبية شقيقة، إلى تهديد الغرب بتحكيم الشريعة وإلى الرقص في دارفور، أمور تكشف أن الرجل أقل بكثير من أن يحكم السودان في هذه الظروف العصيبة والصعبة. أعاننا الله وأعان السودان ودولنا العربية من المحيط إلى الخليج على مستقبل يبدو مدلهمّ السواد شديد القتامة.