إياد الدليمي

جاء التفجير الدامي الذي وقع بالقرب من كنيسة القديسين في الإسكندرية بمصر ليطرح العديد من التساؤلات حول هوية الجهة المنفذة، مع ترجيح فرضية أن يكون تنظيم القاعدة قد نفذ العملية، دون أن يكون هناك أي تأكيد من قبل هذا التنظيم، وهو ما أدى إلى طرح التساؤل الأبرز حول إمكانية أن تكون القاعدة قد نجحت في اختراق الأراضي المصرية.
بقراءة متأنية لما جرى خلال الفترة الماضية وتحديدا الشهرين الأخيرين المنصرمين من عمر السنة الماضية، نجد أن المسيحيين في العراق كانوا الهدف الأبرز للهجمات المسلحة, والتي كان أعنفها وأكثرها دموية الهجوم على كنيسة النجاة ببغداد, وما أعقب ذلك من بيانات قيل إنها صدرت من الجماعة المهاجمة, والتي توعدت باستهداف أقباط مصر رداً على احتجاز الكنيسة لمسيحيات أعلنَّ إسلامهن.
وبعيدا عن العاطفة التي غالبا ما تسيِّر تحليلات البعض نقول إن القاعدة ربما تكون قد نجحت فعلا في استهداف كنيسة القديسين في مصر، ولكن هل كان هذا الاستهداف بعناصر خارجية أم أنه تم بتدبير داخلي بحت؟
إذا سلمنا بأن القاعدة هي من يقف وراء تفجير الإسكندرية الدامي، فإن تتبع مسار القاعدة منذ أن ظهرت كمنظمة مسلحة في أفغانستان ومن بعد في العراق، فإننا نلمس ما يمكن أن نطلق عليه laquo;خيطية التنظيمraquo; فالقاعدة وعبر كل عملياتها لم تكن كلاً واحداً، وإنما هي مجموعة قواعد تتبنى نفس الخط وإن غاب الرابط بينها.
في العراق -على سبيل المثال- تتبنى القاعدة هذا النوع من التنظيمات، فهو يسهل لها الحركة وأيضا يحبط أية إمكانية لاجتثاثها، فإذا ما وقع أحد عناصرها في قبضة القوات الأمنية أو قتل, فإن التنظيم يبقى موجودا في مناطق أخرى.
في ديالى يوجد تنظيم للقاعدة, وأيضا في الأنبار, وفي الموصل، وفي بغداد، وكل قاعدة من هؤلاء لها وإليها ولها أتباعها ولها مخططوها دون أية علاقة بالقواعد المنتشرة في المحافظات الأخرى, وهو ما صعَّب مهمة القضاء على هذا التنظيم.
والشيء نفسه ينطبق على ما يمكن أن يكون قد حصل في مصر، نشوء تنظيم للقاعدة يدين بأفكار القاعدة الأم دون أن يكون هناك أي رابط بينها وبينه ما خلا الرابط الفكري.
التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسين فيه شيء من بصمات القاعدة، وإن كان هذا التنظيم الجديد لم يعلن عن نفسه حتى الآن، والخشية كل الخشية أن تكون هناك خلايا نائمة لهذا التنظيم تم تجنيدها عبر مراحل زمنية مختلفة، مستغلين حالة الهدوء التي تعيشها مصر منذ تسعينيات القرن الماضي، وأيضا انفتاح البلاد على الداخلين إليها.
عقب احتلال العراق عام 2003، دخل عدد من عناصر القاعدة إلى مدينة الموصل في أقصى شمال العراق، عملوا أولاً على تهيئة الأرضية اللازمة, وبعد ذلك غادروا ليتركوا إدارة التنظيم والإشراف عليه بيد من استخلفوهم، وهو ما قد يكون حصل في الحالة المصرية، خاصة أن الاستهداف جاء عقب تهديدات سابقة أطلقتها القاعدة ضد أقباط مصر.
والسؤال الآخر، كيف نجح هذا التنظيم في تنفيذ عمليته رغم حنكة وقدرة الأجهزة الأمنية في مصر على التعامل مع حالات عنف مسلح كهذه؟
إن آلية تنفيذ الهجوم وبهذه الطريقة كانت مفاجأة بالنسبة لأجهزة الأمن المصرية, التي ربما لم تعتد على تفجيرات من هذا النوع، فغالبا كانت الأجهزة الأمنية المصرية تدخل في مواجهات مسلحة أيام التنظيمات الإسلامية التي كانت ترفع السلاح في وجه الحكومة، أما هجوم بهذه الطريقة فلا يبدو أنه كان واردا في ذهنية الأجهزة الأمنية في مصر.
في النهاية، غريبة هي لهجة الاعتذار التي تصدر بين وقت وآخر من قبل جهات إسلامية وكأنها تسعى لتبرئة ساحتها وساحة الدين الإسلامي من هذه الأفعال، علما بأن القاعدة بمنهجها الفكري سبق لها أن حاربت المسلمين في العديد من الأماكن, بل إن قاعدة العراق على سبيل المثال دخلت في مواجهات مع فصائل عراقية مقاومة لا لشيء سوى لأن تلك الفصائل رفضت مبايعة ما يعرف بأمير دولة العراق الإسلامية.
الإسلام والمسلمون أبرياء من أفعال أي تنظيم يسعى لاستهداف الناس على أساس فكري أو عقائدي أو طائفي.