إبراهيم بن سعد الماجد
يستغرب البعض الطرح الذي يشير إلى احتمالية أن يكون لإسرائيل يد في العمل الإرهابي الذي وقع في الإسكندرية وأودى بحياة واحد وعشرين شخصاً والعشرات من المصابين، كلهم مواطنون مصريون وإن اختلفت دياناتهم، فالوطن للجميع وعصمة الدم شريعة الإسلام لا تفرق بين مواطن وآخر، بل إن النصوص التي أكدت على حماية الأقلية أو قل الديانة الأخرى في البلد واضحة جلية كلها تدعو إلى حرمة الدم مهما كان ما دام يؤدي دوره كمواطن ولم يخرج على ولي الأمر.
البعض الذين يستغربون الطرح الذي يقول ربما لتل أبيب يد في هذا العمل ينطلقون من فكر ضيق جداً، فهم يقولون إن من نفذ التفجير عرب وربما أيضاً مصريون وتساندهم قوى خارجية، تقول بعض المصادر إنها عربية، وهذا أمر محتمل ومع ذلك فلا تنتفي احتمالية وجود يد لإسرائيل في هذا العمل، بل إن يد العدو الصهيوني واضحة في كل أعمال القاعدة والقوى الإرهابية الأخرى، حتى وإن لم يشعر هؤلاء المارقون بأنهم يد للصهيونية، فمن الملاحظ أن جميع من عادوا إلى جادة الصواب لا يعلمون عن مصادر التمويل شيئاً ولا عن القيادة العليا لهم أي شيء، وهذا ما يؤكد بأن رأس الأفعى الحقيقي هو العدو الصهيوني.
الاستخبارات الإسرائيلية من أقوى استخبارات المنطقة بل هي أقواها على الإطلاق، ولذا فيدها ملطخة بكل دم يسفك حتى ولو لم يكن بشكل مباشر كما في فلسطين، فالقلاقل في الدول العربية والانقسامات والفوضى كلها تصب في مصلحة تل أبيب، ولا يمكن أن تهنأ وهي تشاهد هذه المجتمعات صفاً واحداً خلف قيادتهم، بل إن من أولوياتها تأليب الشعوب على قيادتها وبث الشحناء بين فئات المجتمع الواحد، وما حدث في الإسكندرية يعد نوعاً من أنواع تفريق المجتمع وإضعاف القيادة.
ولعل المتتبع لرسائل القاعدة منذ بداياتها يلحظ أن حربها مع العالم ما هي إلا حرب ضد كل ما يمكن أن يكون عربياً أو إسلامياً أو مع أي فئة أخرى تؤثر بأي شكل من الأشكال على العالم العربي والإسلامي، فما حدث في أمريكا وبريطانيا وغيرهما انعكس بشكل مباشر ومدمر على العالم الإسلامي، وهذا ما يعزز القول بأن القاعدة ما هي إلا اليد الطولى للعدو الصهيوني.
إن مشكلة الكثير من المسلمين اغترارهم بالشعارات وانسياقهم خلفها، لا أنفي أن الفقر الذي يعصف بكثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية له نصيب من هذا التطرف، وأن البطالة شقيقة الفقر ومنبته الأصلي، وهي الجرثومة التي تنخر المجتمع وتؤثر فيه تأثيراً مؤلماً، ولكني في الوقت نفسه أحمّل المؤسسات الثقافية المسؤولية الكبرى في حماية الأفكار التي هي المفجر الأقوى لهذه الطاقات المعطلة.
لقد بات جلياً أن الحكومات العربية بلا استثناء لا تولي قضية الرقي الفكري لدى المجتمع أي عناية، وكل تركيزها الذي أعتقد بل أجزم بأنه خاطئ الإسراف في الترفيه سواء ما يمكن أن يسمى بالترفيه الثقافي أو الترفيه الفني الذي يحوّل المجتمع إلى مجتمع مهترئ لا يمكن أن يقبل إلا بالدعة والكسل، وهنا تكمن المشكلة، فمثل هؤلاء الكسالى المهترئين فكرياً يسهل اختطافهم وتحويل مسار حياتهم إلى مسار العنف والتدمير.
حادثة الإسكندرية كما هي الحوادث الأخرى في الدول الأخرى، ولكنها كانت نوعية، فقد أرادوا أن يصطادوا عصفورين بحجر واحد وأنى لهم ذلك، فقد كان رد الشارع المصري قوياً وصارماً، لا لتفريق الشعب لا لتفريق الوطن فأحبطت القضية الأهم من التفجير وهي إثارة الفتنة.
إننا مطالبون أكثر من ذي قبل بالعمل الجاد للقضاء على جرثومة التطرف.. البطالة.. والعمل على رقي المجتمع فكرياً، وهذا كما له مردوده الأمني له مردوده الاجتماعي المتنوع الذي لا يمكن الإحاطة به.
أعود لأؤكد أن عدونا واحد وإن تعددت أذرعته، فلنكن دوماً صفاً واحداً ويداً واحدة، ونسعى لأن نكون أصحاب بناء لا هدم كما أراد الله لنا، بإصلاح ذواتنا والنظر في حالنا بالعين الخائفة الوجلة على مصلحة الوطن والمواطن، وأن نسمو بتفكيرنا ونخطط لأجيالنا لا أن ندع الآخرين هم من يخطط لهم، فهذه هي الكارثة والله المستعان.
التعليقات