مغازي البدراوي

هناك شبه إجماع على أن حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية لا يستهدف المسيحيين المصريين، بل يستهدف مصر الدولة ككل، وأنه ليس وراءه وازع ديني، بل وازع سياسي وإرهابي بحت، ولهذا أشارت أصابع الاتهام من كافة الجهات إلى جهات خارجية وراء هذا الحادث، لكن بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر اعتبر الحادث نتيجة لانعدام التسامح الديني في مصر، وطالب قادة العالم بحماية المسيحيين الأقباط في مصر من التجاوزات ومظاهر التطرف الديني، وبأن تتحول الأقوال إلى أفعال. هذا النداء يثير الشكوك والريبة، ويذكر بتلك الدعوة التي أطلقت منذ قرون مضت لحماية مسيحيي الشرق، وهي الدعوة التي انطلقت على أثرها الحملات الصليبية، والتاريخ مكتوب ويشهد بذلك، منذ البابا حنا العاشر في القرن العاشر الميلادي، والذي نادى بطرد المسلمين من حوض البحر المتوسط، ومن بعده البابا إسكندر الثاني الذي منح صكوك الغفران لكل مسيحي يقاتل المسلمين، ومن بعده البابا غريغوري السابع مؤسس فكرة الحملات الصليبية الشهيرة على العالم الإسلامي في الشام ومصر، ومن بعده البابا أوربان الثاني الذي أخذ على عاتقه تنفيذ الحملات الصليبية واعتبر قتال المسلمين وقتلهم laquo;إرادة الربraquo;، وقد ظلت هذه الدعوة متأججة لقرون طويلة حتى هدأت في القرن السابع عشر، بسبب الثورة الصناعية وانتشار الأفكار العلمانية وتراجع دور الكنيسة الكاثوليكية. ولا ننكر أن الفاتيكان لم يكن يتبنى هذا التوجه العدائي للمسلمين من منطلق ديني، بل كان المنطلق سياسيا بحتا لخدمة عروش قياصرة وملوك وأمراء أوروبا، وقد ظهر في الفاتيكان في مراحل عديدة بابوات ورهبان يدعون للتسامح الديني مع المسلمين ويشيدون بالدين الإسلامي، وبعضهم اعتذر مؤخرا عن الحروب الصليبية السابقة. لكن البابا بنديكتوس السادس عشر منذ وصوله لكرسي البابوية وأخطاؤه تجاه المسلمين تتكرر الواحد تلو الآخر، ودائما تأتي اعتذاراته ومبرراته واهية وغير مقبولة.

ماذا يقصد البابا بدعوته قادة الدول الأخرى لحماية المسيحيين في مصر؟ ومن هم القادة الذين يوجه البابا الدعوة إليهم بالتحديد؟ ولماذا لم يتوجه البابا بدعوته مباشرة إلى الرئيس مبارك أو النظام المصري الذي يأخذ على عاتقه حماية كافة مواطني مصر، وهو نظام مقبول لدى الغرب والعالم كله، وليست عليه أية تحفظات من أية جهة في هذا الشأن بالتحديد؟

إن مثل هذه الدعوات الغريبة لا تخدم مصالح الشعوب المعنية، مسلمين ومسيحيين، وتنافي رغبة التعايش والحوار بين الأديان والثقافات، كما أنها توحي بالجهل أو التجاهل لتاريخ المسيحيين الأقباط في بلدهم مصر، وأن مصر كانت ملجأ للمسيح وأمه عليهما السلام، وملجأ لمسيحيي العالم الذين هربوا من الاضطهاد في أوروبا وغيرها، وأن المسيحيين في تاريخهم لم يعرفوا أي اضطهاد في مصر، بل كانوا وما زالوا وسيظلون جزءا لا يتجزأ من نسيج الشعب المصري الواحد.

ولم إذا عدم التريث والتسرع، على الأقل للاستماع لتصريحات قيادة المسيحيين الأقباط في مصر، الممثلة في البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي قال صراحة إن تفجير كنيسة الاسكندرية تقف وراءه قوى لا تريد خيرا لمصر، وهم أعداء للمسيحيين والمسلمين على السواء. وليس مقبولا ولا مفهوما المبرر الذي قدمه الأب فيديريكو لومباردي، المتحدث باسم الفاتيكان، بأن البابا عبر عن تضامنه مع الأقباط المصريين، بعد تعرضهم laquo;لضربة قاسيةraquo;. كان الأولى والأجدر بالبابا أن يتضامن مع الشعب المصري كله، فالضربة لم تكن موجهة لأقباط مصر بل لمصر كلها. إلى متى سنظل نسمع، بعد كل خطأ في حق المسلمين، على هذا المستوى أو غيره، مثل ما قاله الأب لومباردي من أن laquo;هناك خللا في التواصل أدى إلى سوء فهم تصريحات الباباraquo;؟ على الفاتيكان نفسه أن يصلح هذا الخلل المتكرر، وأن يختار الكلام المناسب في الوقت المناسب.