مهنا الحبيل

آخر مشهد تداعيات جريمة الاعتداء على كنيسة الاسكندرية مدخل مهم لهدف هذا المقال ولعل ذلك يتمثل في التصعيد غير المسبوق من الفاتيكان وشخصيته الدينية بندكت السادس عشر المعروف بعدائه الشخصي للإسلام ورسوله الأعظم في الاندفاع إلى عمق الفتنة من الحادثة الإجرامية من خلال دعوته لحماية مسيحيي مصر رغم أن الحادثة هي الأولى من نوعها وهي ورغم فداحتها والضحايا الذين سقطوا ليست خارج إطار الأزمات الوطنية التي تضرب أي قطر وبالتالي تكون المعالجة لاحتواء التداعيات ومنع التكرار لا تضخيم المصطلحات الحساسة التي يستدعي سياقها خلق أجواء عجز للدولة القطرية المستهدفة معززة بروح تدويل ضمني.
والصورة الثانية هي رجم مشيخة الأزهر من قبل متظاهرين أقباط خلال زيارة وفد الأزهر لمقر الكاتدرائية القبطية لتعزية الانبا شنودة وإعلان التضامن الإسلامي المسيحي ضد الحادثة وتداعياتها الفتنوية الانشطارية على المجتمع المصري، ويأتي هذا الاحتقان الذي مساحة منه مبررة في حجم الغضب والتأثر من مشهد الضحايا لكن لا يمكن أن تُعزل المساحة الأخرى المهمة عن سياق التحضيرات التي شهدتها الحالة المصرية المستهدفة من قبل المؤسسات الإعلامية القبطية المقيمة في الولايات المتحدة والتي بثت خطاب التصعيد بين الأقباط والمسلمين مع تبني فكرة تحرير مصر القبطية من الإسلام من متطرفي مؤسسات المهجر القبطية وهو الخطاب الذي تقاطع مع فلسفة التقسيم للمنطقة العربية التي صاحبت ما بعد 11 ايلول في دراسات الاستراتيجية الغربية وتعززت عند أوائل إعلان سقوط بغداد.
إذاً جاءت الحادثة وكان ذلك الاحتقان الذي مورس على مصر وانتمائها الإسلامي واستدعيت خلاله الطائفية الاجتماعية لتشكل حالة ضغط على الشارع الوطني في أحاديث صدرت للنقض الديني للمقدسات والوصاية المطلقة المستفزة للطرف الآخر، وكأنما أوقدت الحادثة شعلة المرحلة القادمة للازمة الطائفية في مصر وتغذيتها الدولية لتنفجر في أبعاد خطيرة للغاية على مستقبل الأمن القومي مصريا وعربيا والخشية من تداخل تلك المجموعات مع أطراف أخرى تسهل لها تنفيذ المهمة لتحقيق فوضى خلاّقة تخدم مصالحه الاستراتيجية.
هنا سنعود إلى صلب الموضوع وهو مجيء عمليات القاعدة التي تستهدف المدنيين وتشيع الفوضى التدميرية كمدخل تنفيذي للمشروع الاستراتيجي وبعده التقسيمي مجتمعيا أو جغرافيا والأول دائما ممهدا للثاني. إن هذه الصورة كانت ترتسم لدي بدقة في رصد مشروع المقاومة العراقي وانكساراته الاضطرارية التي لعبت فيها القاعدة دورا مركزيا ففي حين تقدمت المقاومة العراقية وخاصة قبل 2006 على صعيد الهزيمة العسكرية للأمريكيين وتقهقر مشروع واشنطن واضطرابه ومع رصد المقاومة العراقية الدقيق للتغول الإيراني والشراكة الواسعة لصناعة فرق الموت إلا أنها كانت حذرة من التفجير الطائفي الميداني.
وهذا التفجير هو ما كان ينتظره الأمريكيون وهم شركاء أصليون فيه للخروج من المأزق فجاءت عمليات القاعدة ضد المدنيين الشيعة في سلسلة متتالية حققت فوضى خلاقة للمشروع الأمريكي ورديفه الطائفي الإيراني وحولت مدار العنف لكي يُحوّل صورة المعركة ويختزلها في الأفق العراقي والعربي والدولي إلى حرب طائفية رغم أن المقاومة العراقية بفصائلها الرئيسية لم تزل تحتفظ بخطها المقاوم في نهجه الأصيل لكن التعتيم الإعلامي والحصار المفروض عليه والتغطية الواسعة لعمليات القاعدة ضد المدنيين كان يختطف المشهد ببصمة أمريكية.
ومن خلال حجم الاستفزاز الذي مارسته القاعدة ضد البناء السني في الأنبار استطاع الأمريكيون اختراق ذلك النسيج عبر مشروع الصحوات الذي بدأ الإيرانيون تصفيته فور انتهاء مهمتهم، وتحول حينها الخطاب إلى مدار التقسيم الذي كان ضمن أساسيات الرؤية الإسرائيلية لحرب العراق، هنا يندفع المشهد مجدداً وفي عمق آخر له مكانته التاريخية وهو مصر، وهذا لا يلغي مسؤولية بعض الأطراف الداخلية في فشلها لإدارة الملف الطائفي وتغول الممارسات خارج سياق القانون وحرية الفرد في انتمائه الديني كما جرى مع المسلمات الجدد وهو ما ساعد القاعدة على النفوذ واستغلال المشاعر المُستفَزة، إلا أن خطورة ما أعطته التجربة في مناطق عديدة من تغول القاعدة ونسفها لأيٍ من الضرورات الشرعية لاستقرار الأوطان والإنسان يقدم مخاوف مشروعة من الطريق الذي سيصل القاعدة بالمشروع الدولي في آخر التقاطع.