ريم خليفة

كل ما يحدث اليوم في ساحتنا العربية من احتجاجات شعبية تعبر عن حالة عجز الحكومات في التعامل مع قضايا شعوبها التي تبحث في مطالبها ما يحفظ كرامتها وكرامة أبنائها وأيضاً ما يؤمن لقمة العيش والسكن لها ولباقي أفراد عائلتها وخاصة أن تكاليف المعيشة أصبحت في تزايد وأصبح توفيرها للأفراد ولعوائل كثيرة معادلة يصعب تأمينها باستمرار لتداخل أكثر من عامل.

الشباب العربي في هذه المرحلة أصبح يدندن أغنيات الراب تقول laquo;بلا عمل حتى الموتraquo; وأخرى تقول laquo;عش وموت بلا عملraquo;، منها من انطلق من تونس ومنها من انطلق من مصر، أي أن هموم البطالة التي تقلق شباباً عربياً من حملة الشهادات الجامعية، يبيع خضراوات، أو يقود سيارة أجرة laquo;تاكسيraquo; أو حتى يغسل سيارة أو يبيع قناني ماء أو خضرة في الشوارع كما هو الحال في البحرين، جميعها نماذج ودلائل على أن المشهد العربي يعاني من خلل ما فيما يتعلق بموضوع العمالة الجامعية التي منها ما هو يعاني من شح الوظائف كما في دول المغرب العربي ومنها ما هو يستقدم عمالة وافدة من الخارج بل ويكسبها مكتسبات على حساب المواطن كما يحصل في بعض دول الخليج إما لأسباب سياسية أو أخرى اقتصادية.

وزير المالية السابق وأستاذ الجامعة اليسوعية في بيروت جورج قرم أشار إلى ذلك واصفاً بأن السياسات النيوليبرالية في العالم العربي قد بلغت حالة من الخطر لا يمكن الاستهانة بها، قائلاً: laquo;إن الاضطرابات الاجتماعية الأخيرة التي حصلت في منطقة ريفية تونسية في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي توضح بما لا لبس فيه إلى أن الأثر السلبي للسياسات النيوليبرالية في العالم العربي قد بلغ حالة من الخطر لا يمكن الاستهانة بها، وخاصة أن تلك الاضطرابات جرت في البلد العربي الذي اشتهر نموذجه الاقتصادي بأنه مركّز على تأمين الحاجات الأساسية للفئات الشعبية وإلى حدّ أدنى من الرفاه الاستهلاكي للفئات المتوسطة الدخلraquo;.

إن هناك حاجة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة العربية لجعلها متحررة من مبادئ النيوليبرالية الجديدة (الليبرالية الاقتصادية المتوحشة) إذ لم يؤد تطبيقها في المجتمعات العربية إلى أي نوع من التقدم التنموي الحقيقي.

كما إن الدول العربية من مغربها إلى مشرقها مهددة بالتحول إلى laquo;دول فاشلةraquo;، لا تستطيع أن تواكب متغيرات العالم اقتصادياً أو سياسياً، وتأتي هذه الفترة الصعبة في الوقت الذي لا تفكر فيه الأنظمة الحاكمة سوى بإطالة أمدها رغم فشلها الذريع لتلبية أدنى متطلبات التنمية، وأدنى متطلبات الحرية السياسية، والآن يحصدون نتيجة ذلك بغياب الاستقرار واستمرار الاحتجاجات الشبابية.