خلف الحربي


لو كان لدى تنظيم القاعدة اتحاد لكرة القدم لفاز فريقها بكأس العالم، لأنه تنظيم يعتمد دائما على صغار السن ولا يكترث بالأسماء والنجوم كما أن أي حكم في العالم لا يمكن أن يتهور ويلغي هدفا لفريق القاعدة بداعي التسلل خصوصا إذا ما كان هذا الحكم رب أسرة ولا يتمنى أن يشاهد أولاده عملية حز رأسه على شبكة الإنترنت. وقبل يومين أعلنت وزارة الداخلية عن قائمة جديدة من المطلوبين المرتبطين بهذا التنظيم الإرهابي أغلبهم في ريعان الشباب ما يؤكد أن قوى الإرهاب لا زالت تملك الكثير من أدوات التحريض وأساليب التغرير التي تمكنها من تجنيد العشرات من صغار السن بين فترة وأخرى.
ولا أظن أننا سوف نختلف على أن هذه القوائم المزدحمة بالمراهقين والشباب الصغار يمكن أن تمنحنا فكرة أولية للمستقبل الدموي الذي قد يجلبه هؤلاء الصغار لوطنهم إذا ما تواصلت عملية الاستخفاف بهذه الظاهرة وبقي عبء مطاردة هذه القوائم والحد منها مسألة محصورة برجال الأمن وحدهم.
فهؤلاء المطلوبون الذين لم يبلغ بعضهم سن الرشد لم يهبطوا علينا من سطح القمر، بل هم أولادنا الذين ولدوا في مستشفيات العولمة فبينما كانوا يقضون ساعاتهم الأولى في غرفة المواليد كانت أمهاتهم يتلقين رسائل التهنئة على أجهزة الجوال وكانت الممرضات منهمكات في إرسال التقارير إلى الأطباء عبر الإنترنت .. فما الذي قادهم إلى كهوف أفغانستان وجبال اليمن؟، ما الذي حدث لهم بعد أن عادت الأمهات إلى بيوتهن؟!.
كبر الأولاد قي هذا الفضاء المفتوح ليجدوا من يزين لهم أقفاص الظلام في المدرسة والمسجد وشبكة الإنترنت، حاولوا الخروج إلى الشارع فوجدوا من يغلق أمامهم أبواب السوق وينبش محتويات هواتفهم الجوالة، حاولوا البقاء في البيت فوجدوا من يحذرهم من التلفزيون والصحف والأفلام السينمائية، فعادوا إلى أقفاص الظلام وأغمضوا أعينهم وبدأت العتمة تكبر في صدورهم الصغيرة بحثا عن نهاية لهذا العمر المحبوس في صندوق كريه، وهكذا حين يتم إقناع أي إنسان بأن حياته هي أكبر أخطائه فلن يجد تصحيحا لهذا الخطأ أسهل من الموت.
ومن الغريب حقا أن من يعادون الحياة وينشرون ثقافة الموت بين صغار السن لا زالوا يرفعون أصواتهم مؤكدين أن أية محاولة لإبداء وجهة النظر في أقفاصهم الكريهة قد تدفع الشباب لارتكاب أعمال إرهابية!، إنهم يهددونا عيانا بيانا، بينما نحن نحاول أن نسترضيهم ونؤكد لهم أن أقفاصنا والحمد لله لازالت تحمل ما يكفي من الظلام! ..أي غد هذا الذي ينتظرنا إن بقينا نهرب من مواجهة الحقيقية؟! .
ليس ثمة شيء قادر على مواجهة الظلام سوى النور ..فهل سيبقى الشباب طويلا داخل الأقفاص المعتمة؟! .