أحمد الجارالله

لاشك ان ما يجري في تونس الان يستدعي وقفة تستعاد فيها دروس الماضي حتى لا يكون الندم ساعة لا ينفع البكاء على الفرص المضيعة, وحتى لا تتكرر مشاهد الأمس المأساوية التي شهدتها بعض الدول.
الجميع يشهد للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة أنه كان شخصية محبوبة من شعبه ومن كثير في العالم العربي, وكان الرجل على تواصل دائم مع شعبه, لكن ذلك لم يمنع من نشوء فاسدين في محيطه, وقيل يومها ان زوجته كانت مع من يحيط بها واحدة من أولئك الذين سيطروا على الاقتصاد وكل قطاعات البلاد, واستطاعوا في السنوات الاخيرة من حكمه ان يعزلوه عن الناس نتيجة مرضه.
في تلك المرحلة تكالب المحيطون ببورقيبة على كل شيء في الدولة, واذ كنا لسنا في موقع سرد التفاصيل الكثيرة هنا, الا أننا نذكر بما يمكن ان تؤول اليه الامور في اي دولة يعتمد الحاكم فيها على تقارير حاشيته ومخابراته macr; وهي ليست أمينة بالضرورة macr; في نقل الواقع, وهذا ينطبق على تونس التي تولى الحكم فيها, بعد إبعاد او إقالة بورقيبة, الرئيس زين العابدين بن علي الذي يعرف الجميع أنه صاحب فكر أمني يعتمد على التقارير المكتوبة- كما تقول أوساطه- وليس على التواصل المباشر مع الناس, ما أدى الى انعزاله عن شعبه ومشكلاته وفاقم الامور الى ما وصلت اليه حاليا.
ان تجارب الأمم تتشابه الى حد كبير, وجميعنا نتذكر ماذا حصل مع شاه ايران الذي اتبع الاسلوب نفسه في عزل نفسه عن شعبه, رغم نصائح العديد من الملوك والرؤساء الأجانب, ومنهم الملك حسين بن طلال, الذين دعوه وقتذاك, وقبل انهيار حكمه بأشهر قليلة الى ان ينفتح على شعبه ويتخلى عن الاعتماد كلياً على التقارير المرفوعة اليه من الشرطة السرية, وهي كما أسلفنا ليست أمينة وتخضع لأهواء كتابها, وأن يبدأ العمل على تبديد الاجواء المشحونة في ايران حتى لا يصل الأمر الى الثورة, إلا ان الشاه لم يستمع الى ذلك النصح وحصل ما حصل وسقط نظامه, الذي ثبت ان سقوطه كان خسارة لشعبه وللمنطقة كلها.
لا شك ان أخطر ما تواجهه الدول هو انعزال الحكم وبناء السدود بينه وبين الشعب, واعتماد تقارير العسس وليس سياسة المجالس المفتوحة حيث فيها تنجلي الحقائق, فيذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس, وهذه السياسة هي ما تحتاجه الرئاسة التونسية الآن, اي ان تكون منفتحة على الشعب, وتزيد هامش حرية التعبير بعيدا عن تقارير المخابرات والمحيطين بها, فهؤلاء وفي أحيان كثيرة, يسطرونها وفقا لهواهم و خدمة للمتنفذين, ولا ينقلون الحقيقة الى الحاكم.
للرئاسة التونسية إنجازاتها العديدة والعظيمة التي حققتها في المرحلة الاولى من تولي بن علي الرئاسة, فهي استطاعت انهاء التسيب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي عاشته تونس في السنوات الاخيرة من عهد بورقيبة, ولذلك بات من الضروري الان العمل على استمرار ذلك الزخم من الانجازات على ان يصحبه انفتاح رئاسي على الناس وعلى العالم الخارجي من اجل تضييع الفرصة على من يحاولون الاصطياد في الماء العكر أكانوا جماعات ارهابية او عصابات وغيرها- كما يقول الرئيس- ممن يتربص بتلك البلاد, وحتى لا تصبح صيدا سهلا للمخربين.
الانفتاح الرئاسي على الشعب يحتاج أيضا الى انفتاح على المحيط العربي ودول الجوار العربية وغير العربية, فالعالم ليس تونس فقط المنغلقة والمنعزلة عما حولها, والدول تتأثر وتؤثر بمحيطها وبما يجري على الكرة الارضية, والاستمرار على هذا النهج سيؤدي الى الكثير من المتاعب, وستزداد شرارات الاحتجاج استعارا, وبالتالي لا بد من الادراك ان النار تبدأ من مستصغر الشرر.