محمد خليفة


نشرت صحيفة ldquo;الخليجrdquo; يوم 7/1/2011 على صفحتها الأولى صورة لثورة الجياع وكذلك أخباراً عن المظاهرات التي اندلعت في بعض الدول العربية على خلفية غلاء المعيشة والبطالة، فالبطالة في الوطن العربي غدت لها مقدمات خطيرة بعد أن ارتفعت نسبة الشباب العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا . فالأغلبية الساحقة منهم تعيش مأساة واحدة من القهر والفقر والتهميش، ومنهم المرضى أجسادهم مرمية في ردهات المستشفيات، ومجانين يهيمون في الشوارع تحت الحد الأدنى للحياة مثل دودة الأرض، نصف ملابسه التي يسكنها كجلد آخر لا يتبدل أكلها منه البلى والاهتراء، ونصفها الباقي يشاركه فيها الهوام وجوف الظلمة والعتمة التي تحاصر النهار مع تدفق أشعة الشمس وشدة التعب والألم، وغياب منطق العدالة الاجتماعية في زمن يجري ويعلو فيه هتاف الصمت حتى يسدل الليل ستاره في ظلمته على عناء المكابدة ووهن أوجاع القلب فوق حدود الطاقة، وانهيار الأجسام من قسوة التعب والبرد والانكماش والانزواء والجوع تحت مظلة الشمس في نهار لا يعالجه إلا الصبر حتى لا تسقط الحقوق والآمال والأحلام، وذلك إلى أن يأتي جوف الليل الذي يبتلع حدود المساحات وأشكال الكتل في الأوطان العربية .
لقد صدق علماء الطبيعة عندما قالوا إن الظالمين يحطمون الحياة بكل فجواتها وامتلاءاتها، وإنه ليس هناك من فرق بين نهاية العالم وبين نهاية العالم كما تصورها المعطيات المعرفية، حيث إنهم لا يتوقعون أن تنهار النظم القائمة في الأرض في سنة معينة، لكنهم يرون أن ساكني المعمورة الحاليين في طريقهم إلى التصادم مع الطبيعة، وقد يكون انهيار الموارد الغذائية أول انهيار في النظام الأرضي، وبعد ذلك وفي سلسلة من ردود الفعل المتلاحقة سوف تنهار النظم الأخرى .
إن الإنسان الذي شق طريقه من الكهف حتى وصل عنان السماء يسقط أمام شبح الحاجة والعوز نتيجة عدم حصوله على عمل يمكنه أن يقتات منه هو وأسرته، وهذا ما يحذر عدد كبير من العلماء والمفكرين من عواقبه، حيث إن هذا المخلوق الذي يملك عقلاً من بين جميع المخلوقات لكنه يبدو وكأنه لا يستخدمه بعد أن استأثر بملذات الكون وظل متردداً في إعادة أي شي إلى مكانه، ما سيجعل واقع الجوع الشامل يواصل في إيقاظ الصرخات التي تطالب بمزيد من الحلول لمشكلات الأمن الغذائي، فقد انضم الرئيس البرازيلي لويس إكناثيو لولا دا سيلفا في 26 أغسطس/ آب 2010 إلى الحملة العالمية لمكافحة الجوع التي تقودها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بعد أن وقّع على العريضة الدولية حول ldquo;المليار جائعrdquo;، وتهدف هذه العريضة إلى حشد الدعم العالمي للقضاء على الجوع في العالم، وتسعى منظمة الفاو إلى الحصول على مليون توقيع لتقديمها إلى ممثلي 192 دولة عضواً من المنتظر أن يشاركوا في المجلس الرئاسي للمنظمة . ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يوجد في شبه القارة الهندية ما يقارب نصف الجياع في العالم، ويوجد في إفريقيا وبقية دول آسيا ما يقارب 40%، ويوجد في أمريكا اللاتينية وأجزاء أخرى من العالم النسبة المتبقية منهم . وحسب تقديرات البنك الدولي يموت ما يقارب 15 مليون طفل من الجوع كل عام، حيث يعيش أكثر من 500 مليون شخص في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في فقر مدقع، وخلال تسعينيات القرن الماضي مات أكثر من 100 مليون طفل من المجاعة والمرض . وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ثلث سكان العالم يحصلون على تغذية جيدة، بينما الثلث الثاني يعاني من نقص في التغذية والثلث الثالث من المجاعة، ففي كل 6،3 ثانية يموت شخص من الجوع، ومن المتوقع أن يموت أكثر من 4 ملايين من المجاعة هذا العام، فمن بين 11 شخصاً هناك شخص يعاني من سوء التغذية بما فيهم 160 مليون طفل أقل من عمر 5 سنوات، ويعيش ما يقارب واحد من كل أربعة أشخاص على أقل من دولار في اليوم الواحد، ويشكلون 3،1 مليار نسمة أي أغلبية البشرية، ويكافح نحو 3 مليارات شخص في العالم من أجل البقاء على دولارين في اليوم . ونتيجة للأزمة المالية، فقد الملايين من العمال وظائفهم وانزلقوا إلى البطالة والفقر بينما تمكن الأثرياء من زيادة ثرواتهم . وهذا ما يؤكده نمو عدد أصحاب الملايين في جميع أنحاء العالم . فمعظم المليونيرات يعيشون في الولايات المتحدة حيث يبلغ عددهم 7،4 مليون، تليها اليابان 2،1 مليون، والصين ،670،000 وبريطانيا ،485،000 وألمانيا ،430،000 وإيطاليا ،300،000 وسويسرا ،285،000 وفرنسا ،280،000 وتايوان ،230،000 وهونغ كونغ 205،000 . كما حدثت زيادة كبيرة في نسبة أعداد المليونيرات في سنغافورة وماليزيا وسلوفاكيا والصين وألمانيا ودول الخليج العربية، وقد أسهمت هذه النخبة من أصحاب المليارات، الذين يشكلون معاً أقل من 1% من جميع الأسر في جميع أنحاء العالم، في 38% من جميع الاستثمارات التي تمت خلال عامي 2009 و،2010 وكانت أحد الأسباب الرئيسة للزيادة في صافي أصول الفئة الغنية والفئة الفائقة الغنى جراء خطط الإنقاذ التي بلغت عدة تريليونات من الدولارات والتي قُدمت للمصارف والمؤسسات المالية من جانب الحكومات، ولهذا دعا تقرير ''صوت المستضعفين'' الذي أطلقه الأمين العام بان كي مون في 21/6/2010 إلى ضرورة الاستثمار في الفقراء لاسترداد المكاسب الإنمائية التي أضمحلت بسبب الأزمة المالية، حيث إن معيشة مئات الملايين من الأفراد عبر العالم وبالأخص الأكثر فقراً أصبحت مهددة، وأنه حتى في الدول التي قاومت الأزمة وتعود إلى النمو، فإن تكاليف المعيشة اليومية عالية للغاية بالنسبة للكثير من الأسر . وبالرغم من الحوافز المالية المطروحة في العديد من الدول، إلا أن أنها لم تستطع تلبية الاحتياجات الفورية للفقراء، فقد أسهم ارتفاع معدلات البطالة وأسعار الغذاء والبضائع إلى زيادة الفقر والجوع والتوتر الاجتماعي وذلك بسبب الجشع والمتاهة المربكة والمبذرة للمنتجين والسماسرة والتجار الذين يتحكمون في أسعار الحبوب والمواد الغذائية، وكذلك قادة العالم السياسيين الذين سمحوا للمؤسسات المتعددة الجنسيات بالدخول إلى العالم الثالث واستنزاف موارده الطبيعية من دون أن يعوضوه بشيء عنها، والآن يواصلون سبيلهم من دون أن يتمعّنوا في معاناة مواطني الدول الفقيرة أو الحد من استغلال الدول الأخرى أو الصناعة الشرهة أو تبديد الثروات العالمية من دون وعي كامل بالكارثة الإنسانية الراهنة .
لقد صنعت المجاعات التي تشل أنشطة أمم بأكملها بنفس التجرد الذي خلفته القنبلة الذرية، ومن الصعب أن تتخلص البشرية من الشعور بالذنب طالما أن الناس لا يتساوون في الاستمتاع بالطيبات، ومع الإحساس بالذنب يأتي الخوف من الكراهية التي تملأ أذهان وقلوب الجياع في العالم في الوقت الذي يدركون فيه أنماط حياة الشعوب الغنية ويقارنون بين المساكن الباذخة وأكواخهم الطينية .
إن هذه المعطيات تدق ناقوس الخطر حول التزامات دول العالم تجاه إحراز تقدم ملموس في تقليص أعداد الفقراء ومكافحة الفقر، وبالأخص الدول العربية في ما يتعلق بتنمية مجتمعاتها التي تحتل مراكز متأخرة في تقارير التنمية البشرية، حيث تجاوزت نسبة الفقر في الدول العربية 56% بعد انهيار الطبقة الوسطى العربية وازدياد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ذلك أن الفقر يتسبب في إعاقة المشروعات التنموية الهادفة وتفشي الجريمة والانحراف .
إن من الواجب على الأغنياء مساعدة الفقراء، فالمال هبة من الله وإحسان، فليقابل بالإحسان فيه، إحسان التقبل والتصرف والشعور بالنعمة من خلال تحقيق منهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان بالارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المعتدلة، التي لا حرمان فيها، ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية والابتعاد عن البغي المنبعث من الاعتزال بالمال وحرمان حق الفقراء في مسلك كنز المال، والكنز هو المخبوء المدخر من المال الفائض عن الاستعمال والتداول، والاغترار بالمال حتى لا يتجلى فيه البغي والتطاول والإفساد والبطر الذي يقعد بالنفس ويفتنه المال وعند ذلك تفسد الحياة .