صالح محمد الجاسر


ما شاهدناه عبر شاشات التلفزيون من شعارات وعلامات نصر رفعها بعض أبناء الشعب التونسي عقب سقوط حكم زين العابدين بن علي، هي نفسها الشعارات التي رفعها بعض أبناء الشعب العراقي عقب سقوط صدام حسين، وهي شعارات في العادة لا يكون للعقل دورٌ فيها، بل تكون العاطفة والانفعال هما السائدان، وهو أمر غير مستغرب في مثل هذه الأحداث، وقد نجد بعد أشهر، أو حتى سنوات، حنينا للماضي رغم قسوته، لأنه وفر أهم مقومات العيش، وهو الأمن.

ما حدث في تونس بسطه كثيرون إلى حد إرجاعه بمجمله إلى قيام الشاب محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه احتجاجاً على مصادرة عربة كان يبيع الخضار عليها، وبالغت وسائل الإعلام ـــ خاصة المرئي منها ـــ في تصوير هذا الحادث على أنه بطولة أدت إلى انهيار حكم زين العابدين بن علي، فتكررت حادثة حرق النفس في عديد من الدول العربية، ولم نر أنها أثرت في أمن تلك الدول، أو دفعت الناس للخروج إلى الشارع، رغم أن شعوب تلك الدول تعاني ظروفاً معيشية أشد من معاناة الشعب التونسي، الذي قال أحد أبنائه معلقاً على ما نتج عن هذه الأحداث: إنها المرة الأولى التي يقف فيها التونسيون في طوابير أمام المخابز.

هذا الأمر يدل على أن حادثة الحرق لم تكن السبب الوحيد فيما حدث في تونس، بل هناك أسباب أخرى، حركت الشارع، وأجبرت بن علي على الهرب، بعد أن شعر أن هناك قوى أصبحت هي المسيطرة على الوضع، وهي التي تحرك الشارع وتثير الفوضى، وتسعى للوصول إلى السلطة.

تونس مثلها مثل كثير من الدول العربية التي يحكمها العسكر، يبدأ الحكم بشعارات تعد بالرخاء والديمقراطية والتعددية، ثم يتحول إلى حكم دكتاتوري، يسيطر عليه فرد تحيط به مجموعة صغيرة من المقربين والمستفيدين، وتتتابع تعديلات الدستور لضمان بقاء الحاكم في سدة الحكم مدى الحياة، أو إلى أن يورثه، ولهذا فمن النادر أن يسقط مثل هذا الحكم عبر ثورة شعبية، ما لم تكن هناك قوى تديرها بالخفاء، سواء أكانت قوى معارضة، أو قوى قريبة من دائرة الحكم.

زين العابدين بن علي عرف بالشدة مع خصومه، حتى ولو كانوا من المقربين منه، ولم تخل سنين حكمه من طامع في السلطة، أو منتظر لحظة ضعف، وكان جزاء من يقترب من المحظور، إما التصفية، أو السجن كما حصل لعبد الرحمن التليدي الذي كان واحداً من أكثر الناس قرباً منه، وحين ذهب بن علي إلى ألمانيا للعلاج، توقع التليدي أن الفرصة باتت سانحة، فذهب ليتقصى عن حالة الرئيس الصحية، ليهيئ نفسه للوراثة، فكان جزاؤه السجن عشر سنوات.