مشاري الذايدي

أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن السعودية، قد رفعت يدها عن الجهود الحالية لتسوية الأزمة اللبنانية، أو ما عرف صحافيا باسم laquo;س ndash; سraquo;، وذلك بقرار مباشر من الملك عبد الله شخصيا، بعدما وصلت الأمور مع الأطراف اللبنانية إلى جدار من العناد والريبة وكثرة التفاصيل المشوشة.

بعد السعودية ها هو وزير الخارجية التركي الذي هرع إلى دمشق فبيروت مع وزير الخارجية القطري لإنجاز تفاهم وتسوية على أساس المقترحات السعودية السورية يعلن العودة إلى قيادته في أنقرة بعدما قال إن laquo;الأطراف اللبنانية بعيدة عن التوصل إلى تسوية محددةraquo;. ومثله فعل وزير الخارجية القطري.

معنى ذلك أن الدول الإقليمية الكبرى عجزت عن إقناع أطراف النزاع اللبناني وتحديدا حزب الله وتيار المستقبل على إيجاد الاستقرار والتسوية السياسية وإخراج البلد من حالة التوتر والاحتقان ومشاريع الفتنة والمواجهة الطائفية والسياسية.

هل يعود ذلك إلى قوة خاصة تملكها المجموعات والأحزاب السياسية في هذا البلد الصغير دون سواها من القوى في البلدان الأخرى؟

أظن أن سبب تعقد المشكلة اللبنانية هو أن قواها الأساسية لا تملك قرارها الخاص، وأنها في جانب كبير منها تعتمد على سند إقليمي، هو الآخر لديه أجندته الخاصة. وعليه، فلبنان ليس مسرحا للعرض، في نظر laquo;أكثرraquo; القوى الإقليمية.

التسوية إذن، في الأساس، يجب أن تكون بين كبار المتصارعين في الإقليم وليس بين الوكلاء المحليين.

هذا جانب، لكنه الجانب السياسي من المعضلة اللبنانية. أما الجانب الحضاري والمحزن هو أن لبنان laquo;الرسالةraquo; كما يحبذ أهله أن يسموه، لبنان النموذج المثالي لتعايش الأديان والطوائف، لبنان الذي ظل فترة طويلة برهانا حيا على إمكانية التفاعل وبناء هوية وطنية جامعة يغنيها الاختلاف الديني والطائفي والإثني ولا يفجرها، هذا laquo;اللبنانraquo; النموذج الذي كان يفاخر به كل العرب laquo;العقلاءraquo;، الآن على شفير الانهيار والفشل، بعد أن ضاقت مساحة لبنان الصغيرة بطوائفه المتناحرة.

أهم وأعمق ما جاء في تصريح سعود الفيصل، بل وأكثره إثارة للشجن، هو حينما قال في تصريحه laquo;الصريحraquo; هذا: laquo;إذا وصلت الأمور إلى الانفصال وتقسيم لبنان، انتهى لبنان كدولة تحتوي على هذا النمط من التعايش السلمي بين الأديان والقوميات والفئات المختلفةraquo;.

بعبارة أخرى، وبصرف النظر عن التفاصيل اللبنانية المملة في الصراع بين حزب الله ومن معه والمستقبل ومن معه، فإن فكرة لبنان الرسالة، قد انتهت وترمدت أوراق هذه الرسالة الجميلة التي مفادها أن الناس في هذه المنطقة من العالم يمكنهم أن يحولوا اختلافاتهم الدينية والطائفية والإثنية إلى لوحة جميلة ومتناغمة من الألوان..

هذه الرسالة خنقت من قبلُ في العراق، وعانت مؤخرا في مصر، ويبدو أن سطورها الأخيرة تبهت الآن في لبنان... وتلك هي المأساة الحقيقية، أن نعيش بلا أمل ونردد كلنا صوتا خشبيا واحدا لا غنى فيه ولا تنوع.