عبدالله بن يحيى المعلمي

هل انتفض شعب تونس بحثاً عن لقمة الخبز؟ الاحصائيات لا تؤيد هذا، فتونس تتمتع بأعلى مستوى لنصيب الفرد من الدخل القومي بين الدول العربية غير النفطية، وتونس تحقق بانتظام نسب نمو اقتصادية تفوق ما تحققه معظم الدول العربية وكانت لسنوات عديدة تحقق أعلى معدل للنمو الاقتصادي بين الدول العربية قاطبة، وتونس لديها نسبة تملك للمساكن تصل الى حوالي 80% وهي من أعلى النسب في الدول العربية ونسبة الأمية لديها من أدنى النسب في الوطن العربي، وتونس تفاخر بأنها الدولة العربية الأولى التي وضعت لنفسها دستوراً مكتوباً منذ أكثر من مائة عام.
ما الذي حدث في تونس اذاً؟ أول عنصر من عناصر الانتفاضة التونسية هو البطالة التي بلغ معدلها 14% وهي نسبة ليست أكثر مما نراه في دول عربية أخرى بل وحتى في بعض الدول الأوروبية مثل اسبانيا، ولكن ما يميز البطالة في تونس عن غيرها من البلدان أنها تتركز في الفئات الجامعية ذلك أن الانفتاح الاقتصادي التونسي قد ركز على قطاع الخدمات عامة والخدمات السياحية على وجه الخصوص وهو قطاع يحتاج الى مستويات من التأهيل أدنى من التعليم الجامعي بدلاً من التركيز على الصناعة والتقنية والاقتصاد المعرفي بصفة عامة، واذا ادركنا أن التعليم الجامعي يحمل معه الطموح والانفتاح الفكري وارتفاع سقف التوقعات فاننا نجد أن مزيج التأهيل العالي والبطالة يصبح مزيجاً شديد القابلية للاشتعال.
حاول الشاب الجامعي محمد بوعزيزي أن يتكيف مع ظروف بطالته وأن يتقبل أوضاعه الاقتصادية المنهكة أو على الأقل أن يتعامل معها، إلى أن أتته فتاة رعناء ترتدي ملابس شرطة البلدية لتسلب منه عربة الخضار المتنقلة التي كان يقتات من دخلها ولتصفعه على وجهه فتسلب منه أيضاً كرامته التي امتهنتها البطالة والعوز، فلم يجد أمامه سبيلا سوى أن يضرم النار في جسده مشعلاً بذلك فتيل الثورة التي أطاحت بالنظام، وخرج بعده آلاف الشباب ليبحثوا عن الكرامة، وليقولوا بأعلى صوتهم أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وكان ذلك هو العنصر الأهم في الانتفاضة التونسية.
الرئيس التونسي السابق قال لمواطنيه إنه قد فهمهم وإن رسالتهم قد وصلت ولكن ما لم يفهمه الرئيس هو أن الفهم المتأخر لا يفيد، وأن البطالة ليست مجرد رقم اقتصادي وإنما هي حياة بشر وأن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يكون بديلاً عن الحرية والكرامة في تونس أما الرسالة التي وصلته فلعله يعيد عنونتها ليتلقاها غيره من الرؤساء الذين ما زالوا يمنون على شعوبهم بأنهم ابطال الفتح او العبور او الوحدة او الصمود لعلهم يفهمون!!