علي الخليلي


تزامنت القمة العربية الاقتصادية في دورتها الثانية في شرم الشيخ، مع ldquo;ثورة الياسمينrdquo; في تونس . ورغم أن المصادفة وحدها هي التي صنعت هذا التزامن، بين حدثين غير متجانسين في الأداء، وربما متعارضين فيه إلى حد التناقض، إلا أنها مصادفة فرضت نفسها على القادة العرب كلهم، تحت زلزلة هذه الثورة المفاجئة، لتتحول إلى مفصل هو الأهم في اضطرار هؤلاء القادة أنفسهم، لإعادة قراءة المفاهيم التقليدية التي يطرحونها عادة، في قممهم، وفي هذه القمة على وجه الخصوص .

الشعار الأبرز الذي رفعه التونسيون في فعاليات وتظاهرات ثورتهم، كان ldquo;خبز وماء، بن علي لأrdquo; . ويبدو أن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قد تلقف هذا الشعار، أو الشطر الأول منه على الأصح، ثم أعاد صياغته في كلمته أمام القادة العرب، فتحدث من خلاله عما أسماه المفهوم الجديد للأمن القومي العربي، والذي يقوم وفق هذا الجديد، أو وفق الشعار التونسي، على ldquo;الأمن الغذائيrdquo;، وrdquo;الأمن المائيrdquo; . وكلاهما غائب حتى الآن . أي أن الأمن القومي العربي غائب .

الجوع والعطش والفقر والبطالة، كانت كلها عناوين متأججة، لثورة تونس في مواجهة نظام استبدادي لم يفهم من هذه العناوين سوى أنها ldquo;العتمة اللازمةrdquo; لخنق روح الأمل في صدور الشعب التونسي . وقد استطاع ldquo;الياسمينrdquo; أن يقلب هذا الفهم إلى عكسه تماماً، فنجح في خلع رأس الاستبداد وإجباره على الفرار الذليل إلى خارج البلاد، ما يعني نجاحه الباهر في تحقيق الشطر الثاني من شعاره المركزي . ويبقى عليه أن يحقق الشطر الأول منه، وهو الأهم، بتوفير ldquo;الخبز والماءrdquo;، لكل المواطنين .

ثمة ldquo;لأrdquo; كبيرة ومدوية، وموحدة بجميع اللهجات العربية الشعبية والدارجة، للأنظمة تفتت الصخر، وتحرث في الأجساد الشابة المحترقة، على امتداد المجتمعات العربية كلها . وليس من مؤشر في الوقت نفسه يدل على أن المسؤولين مكترثون لهذا الدويّ . ولعلهم يحسبون أن مظاهر ومشاهد الاختلاف بين المجتمعات العربية، كافية لحجب غضب ذلك الياسمين عنهم، ولمحاصرة كل ثورة داخل إطارها القطري، فلا فضاء بالنسبة لهم أمام استنساخ ما يجري هنا، ليكون طبق الأصل هناك، على اعتبار أن لكل قطر على حدة، بيئته التربوية والثقافية، وأسباب غضبه، وعناصر ومكونات ثورته، وهو ما يحرص عليه الحكام العرب، لتعطيل وحدة هذه المجتمعات، بتحويل وعي الوحدة العربية إلى وعي مهمل ومنبوذ .

ولكنه اعتبار موهوم . وإن القوة الشعبية التي تعمل على انتزاع هذا الوهم، تأخذ تجلياتها الواضحة، بالاحتجاجات المتلاحقة، عبر أقطار عربية عدة، والتي لن يطول بها الوقت، حتى تتحول إلى ثورات جدية وقادرة على تحقيق شعارها المجتمعي الواحد .