منذ الأحداث الأخيرة المتسارعة في تونس والتي انتهت بالإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي وهروبه، وأدت إلى إشعال فتيل quot;ثورة الياسمينquot; كما يطلق عليها بعضهم، يتابع الشارع العربي في المهجر ما يحدث في تونس عن كثب باهتمام بالغ وترقب لما قد تؤول إليه الأمور في الأيام القادمة. وفي رصد لآراء محللين وسياسيين عرب في المهجر الأميركي حول تكرار التجربة في بلدان عربية أخرى فجاءت ردود الأفعال متباينة.


واشنطن: منذ الأحداث الأخيرة المتسارعة في تونس والتي انتهت بالإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي وهروبه، وأدت إلى إشعال فتيل quot;ثورة الياسمينquot; كما يطلق عليها بعضهم، يتابع الشارع العربي في المهجر ما يحدث في تونس عن كثب باهتمام بالغ وترقب لما قد تؤول إليه الأمور في الأيام القادمة. وخصوصًا أن الظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تعاني منها تونس مشابهة لما تعاني منه الكثير من الدول العربية. quot;إيلافquot; رصدت بعض آراء محللين وسياسيين عرب في المهجر الأميركي حول ما إذا كان من الممكن تكرار التجربة التونسية في بلدان عربية أخرى فجاءت ردود الأفعال متباينة حول ذلك.

كلوفيس مقصود: رسالة للحكام العرب لتغيير نهجهم

كلوفيس مقصود
أعرب السفير السابق للجامعة العربية في الأمم المتحدة ورئيس مركز دراسات عالم الجنوب في الجامعة الأميركية في واشنطن الدكتور كلوفيس مقصود عن أن ما حدث في تونس يعد أكبر مفاجأة للأنظمة العربية وهي رسالة للحكام العرب مفادها أن الشعب العربي لا يزال قادرًا على تحريك الأوضاع وتغييرها. معتبرًا أن ما حدث في تونس اليوم ليس مستبعد الحدوث في كثير من بلدان العالم العربي، بسبب تشابه الظروف الإقتصادية والسياسية. لكن النتائج هي ما قد يكون مغايرًا، مستشهدًا بما حصل في الجزائر واليمن وما قد آلت إليه الثورة في تلك البلدان حتى اليوم.

يأمل مقصود بأن يكون ما حدث في تونس بداية لعملية تصحيح كلية للنظام العربي وتغيير جذري لسياسة الإستبداد والفساد وفقدان الحقوق السياسة والمدنية والمعاناة التي تزرح تحتها شعوب المنطقة العربية. كما حذر من أن إصرار الأنظمة العربية على حجب فرص التدوال السلمي للسلطة والقيام بالتعديلات الدستورية التي تسهم في سياسة التوريث والفساد وسوء توزيع الثروات، فكلها عوامل قد تشجع كثيراً على القيام بإنتفاضات شعبية مماثلة في العالم العربي.
محمد ربيع: مفهوم الديمقراطية في تونس أنجح الثورة

يعتقد المحلل السياسي الدكتور محمد ربيع أن اختلاف مفهوم الحرية والديمقراطية في تونس هو ما أدى إلى إنجاح الإنتفاضة فيها وإلى تحقيق هذه النتائج السريعة، ويقول: quot;من الممكن تكرار التجربة في البلدان العربية، لكن ربما لا يؤدي ذلك إلى النتائج نفسهاquot;، مرجحًا ذلك لأسباب متعدّدة أهمها quot;أن إختلاف المناخ الديمقراطي الذي يتسم به المجتمع التونسي والذي يتميز بإنفتاحه على المجتمعات الغربية، يجعل مفهوم الحرية والديمقراطية لديه مختلفًا نوعًا ما، وهو ما ساعد في إنجاح تلك الإنتفاضةquot;. ويضيف quot;كما أن عدم وجود برنامج إصلاحي موحد في البلاد العربية واستراتيجية لمفهوم التغيير والإصلاح هو ما قد يؤدي إلى نجاحها أو إخفاقهاquot;.
ويعتبر ربيع أن تونس quot;استطاعت كسر حاجز الخوف وتقدمت نحو الحرية، والآن الباب مفتوح لمستقبل جديد لم تتضح معالمه حتى الآنquot;، والسبب في رأيه يعود إلى العقليات التي ستحكم البلاد والدستور الذي سيطبق والتغيير الذي سيحدث، فإما أن quot;يتم تغيير شامل يقود البلاد نحو التقدم أو تبقى الحال كما هيوتتم عمليات ترقيعquot; من وجهة نظره.
ولا يقر ربيع بوجود مؤامرة خارجية لقلب نظام الحكم في تونس، أو وجود أي دور للأحزاب الدينية في ما حصل، ويصف الثورة بأنها quot;عملية غضب شعبي عارم وشامل، تضامن فيها الجندي مع الشعب، فوقوف الجيش مع الناس ضد الحكومة وعصيان الأوامر في قمع المتظاهرين العزل الذين خرجوا في تظاهرات سلمية هو ما ساهم في استمرار التظاهرات والوصول إلى الحريةquot;.

صبحي غندور: تركيبة المجتمع ساهمت في نجاح الثورة
صبحي غندور
يرى الدكتور صبحي غندور مدير مركز الحوار العربي في واشنطن أن غياب العدل والجوع والبطالة والخوف هي من السمات المشتركة بين الكثير من الدول العربية، وهي التي قد تؤدي حتمًا إلى تكرار التجربة التي حدثت في تونس. لكن يرى أن خصوصية المجتمع التونسي المتجانس في تركيبته الدينية والعرقية، فلا تعددية طائفية ومذهبية أو عرقية، سهل نجاح الإنتفاضة، فالهدف واحد وليس لكل طائفة دينية أو عرقية أهداف أخرى. لذلك لو حدثت التجربة في بلدان أخرى ذات تعددية دينية وإثنية لا بد أن تكون النتائج مختلفة.
ورأى أن quot;عدم وقوف الجيش كطرف مع النظام هو عامل مهم لإنجاح الثورة. لذلك من الواجب الحفاظ على الجيش الوطني التونسي كما هو. فهو يمتلك قوة التأثير الفعلي وكما أستطاع إسقاط الرئيس يستطيع أيضًا إسقاط الباقينquot;.
واعتبر غندور أن quot;كسر حاجز الخوف هو أهم نتائج تلك الثورة التي أكدت بأن الشعب قادر على الفعل متى أراد طالما وجد الأمل والإصرارquot;، مؤكدًا في الوقت ذاته أن quot;الإنتفاضة التونسية هي تحرك شعبي لا سياسي حدث بإرادة شعبية، ولا يوجد للإسلاميين أي دور ينسب لهم في هذه الثورة، وذلك كون التاريخ التونسي يشهد بوجود ضعيف جدًّا للأحزاب الدينية فمعظم من قام بالثورة هم من الطلاب الجامعيين والمفكريين والمثقفين والمتعلميين الذين خرجوا في تظاهرات سلمية بدعوة من النقابات. ودعا غندور في هذا الظرف quot;إذا لم يستطع الشعب إيجاد الحاكم الملائم عليه تشكيل حكومة تكنوقراط، وأن لا يكون فيها ممثل لأي حزب أو ممثل ذي توجه سياسيquot;.
لؤي بحري: خوف من استلام الحكم بالقوة ووصول المتشددين
يعتقد الدكتور لؤي بحري الخبير السياسي وأستاذ العلوم السياسة أنه ليس مستبعدًا تكرار الحدث على غرار التجربة التونسية في بعض بلدان العالم العربي الذي بدأ فعلا يشهد بعض الحوادث والتظاهرات، لكن النتائج قد تأتي مغايرة وذلك لإختلاف الأجواء والظروف المصاحبة للثورة. فلكل بلد عربي ظروفه الخاصة المختلفة عن البلد الآخر، على الرغم من تشابه الظروف الإقتصادية وربما السياسية أحيانًا. مذكرًا بأن العوامل الرئيسة في قيام هذه الثورة هي تفشي البطالة التي يعاني منها معظم أطياف المجتمع التونسي، وسوء الأحوال الإقتصادية فالمزارعين يعانون من فقر مدقع ووجود الإقطاعية الحكومية من قبل بعض أفراد العائلة المالكة. ويرى بحري أن أكثر ما يلفت النظر هو أن من قام بهذه الثورة هم المثقفون وطلاب الجامعات الحاصلين على مؤهلات عليا ويعانون البطالة.
ابراهيم عويس
ويقر بأنه على الرغم من نجاح الثورة في إزالة حكم ديكتاتوري استباح ثروات الشعب ودحر الحاكم، إلا أنه إذا لم يتم اختيار الرئيس والحكومة سريعًا، فهناك خوف على مستقبل البلاد من أن ينزل الجيش ويستلم السلطات ويحكم البلاد بالقوة ويسن قوانين من الممكن أن تكون صارمة لعدم وجود البديل. وثانيًا أنه مع مرور الزمن أي بعيد سنوات قليلة قد تستطيع الأحزاب الدينية النزول إلى الشارع وتكوين مراكز قوية لهم ومن ثم يحكمون البلاد ويجرونها إلى حكم متطرف ومتشدد.
ويجزم بحري بأن واقع الحال يقر بأن الثورة التي حدثت كانت quot;هبة شعبيةquot; وليست بفعل مؤمرات خارجية. فلا أحد يستطيع التكهن الآن بمستقبل الثورة وما قد تؤول إليه. وأن الزمن هو من سيجيب على نجاحها أم اخفاقها.

ابراهيم عويس: مصر قد تكرر التجربة
ذهب كبير الإقتصاديين الدكتور ابراهيم عويس في واشنطن إلى أن ما حدث في تونس لا بد أن يكون له تأثير ليس في مصر فقط وإنما في دول المنطقة العربية، فسوء الأوضاع في مصر قد يقود إلى انتفاضة مشابهة. ويقول:quot;التغييرات الإقتصادية في المجتمع المصري وإنقسام المجتمع إلى طبقتين، طبقة غنى فاحش تقابلها طبقة فقر مدقع وبطالة وسوء توزيع لثروات البلاد، من الممكن أن تقود البلاد إلى ثورة مشابهة على غرار الثورة التونسيةquot;.
ويشير عويس إلى أنه حذر مسبقًا من حصول ثورة في مصر quot;أنا كنت قد صرحت سابقا بخوف من quot;ثورة الجياعquot; في مصر نتيجة الظروف المعيشية السيئة التي يعاني منها الشعب المصريquot;.
ويرى عويس بأن واقع الحال في كثير من البلاد العربية يشجع القيام على إنتفاضات مشابهة لما حدث في تونس، خصوصًا بعد نجاح التجربة. لكن مع اختلاف النتائج وذلك وفًقا للظروف والمناخ الديمقراطي الذي يتحلى به كل بلد عربي.