عادل درويش

أكتب هذه السطور في برمنغهام، حيث حزب العمال، laquo;معارضة جلالة الملكةraquo;، المقابل في مجلس العموم لحكومة جلالة الملكة، يختتم مؤتمره السنوي.
غدا (الأحد) نتوجه إلى مانشستر، والتي - بجانب برمنغهام ونيوكاسل - بدأت الثورة الصناعية قبل قرنين، وهي عاصمة مقاطعة لانكشاير التي كان فيها أكبر مصانع الغزل والنسيج التي ارتبطت بالقطن المصري (وأدخل زراعته محمد علي باشا)، أفخر أنواع القطن طويل التيلة، وبدوره كان بدوره أساس الثورة الصناعية المصرية الحديثة التي أطلقها الرأسمالي النابغة طلعت حرب باشا.
مانشستر تستضيف مؤتمر حزب المحافظين، حزب الحكومة، ويستمر خمسة أيام لينهي موسم المؤتمرات لعام 2011.
الموسم يبدأ سنويا بعد انتهاء العطلة الصيفية للبرلمان، ونتحول نحن - المجموعة الصحافية البرلمانية - إلى بدو رحل ننقل خيمتنا من أوتيل إلى آخر، مطاردين مؤتمرات الأحزاب، تقليديا، في المدن الساحلية كبلاكبول وبورنموث، ومؤخرا المدن الصناعية التاريخية. ودائما يغيب الصحافيون العرب، باستثناء نفر قليل يحضرون يوما واحدا في مؤتمر حزب الحكومة، لتغطية حفل عشاء السفراء العرب.
الأسبوع الماضي كان مؤتمر الديمقراطيين الأحرار (ولد عام 1988 من اندماج الأحرار مع الديمقراطيين الاشتراكيين بعد شبه اندثار الأخيرين كمنشقين عن العمال 1980).
قبله كان مؤتمر حزب الخضر، في مصيف برايتون، وهو حزب زعيمته، هي النائبة الوحيدة للحزب في وستمنستر في صفوف المعارضة. الحزب يساري بسياسيات تصلح لمسرح العبث أو الكوميديات أكثر من ملاءمتها للاقتصاد. سبقه المؤتمر العام لنقابات العمال؛ ومؤتمرات الأحزاب الصغرى كحزب استقلال المملكة المتحدة، الداعي إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
الطريف أن الحزب له عدة مقاعد ممثلا بريطانيا في البرلمان الأوروبي ولا مقاعد له في مجلس العموم. السبب هو الريبة من أوروبا والشك في نوايا المفوضية الأوروبية (مجموعة من البيروقراطيين غير المنتخبين) الساعية لتأسيس الولايات المتحدة الأوروبية بأسلوب وسياسة المرحوم الاتحاد السوفياتي؛ وتفرض على بريطانيا لوائح وسياسات يرفضها أغلبية البريطانيين. والأغلبية الأكبر من نواب جميع الأحزاب البريطانية في مجلس العموم - باستثناء الديمقراطيين الأحرار ونفر من يسار العمال - يشاركون الناخب مناهضة مشروع الوحدة الأوروبية، فلا حاجة به لانتخاب حزب الاستقلال، مما يفسر عجز الأخير عن دخول وستمنستر.
ليس فقط لأن الناخب في معظم الدوائر المناهضة لأوروبا، يعرف أن ممثليه البرلمانيين بصرف النظر عن الخلفية الحزبية، يشاركون كراهيته لأوروبا، بل أيضا لأن السياسة الخارجية والآيديولوجية والبيئية لا تشغل بال الناخب الذي يتصدر الاقتصاد قائمة أولوياته، ثم السياسة المالية، كأسعار الفائدة، والخدمات، كالصحة والبوليس وكنس الشوارع.
أولويات الناخب هي شاغل الأحزاب. ورغم وجود قناة تلفزيونية مخصصة (laquo;بي بي سيraquo; البرلمان)، والنقل المباشر على مواقع الأحزاب، فإن الشبكات الكبرى كـlaquo;بي بي سيraquo;، وlaquo;سكاي، واي تي انraquo;، تنقل بعض الجلسات مباشرة، مثل خطاب وزير المالية (ثاني أقوى رجل في الحكومة) في مؤتمر حزب الحكومة، ووزراء مالية الظل في مؤتمرات أحزاب المعارضة، ووزراء التجارة والأعمال والصناعة، والصحة والداخلية. أي جلسات خطاب أي حامل حقيبة (أو ظله في مؤتمرات المعارضة) في قائمة أولويات الناخب. وطبعا خطاب زعيم الحزب (رئيس الوزراء في حزب الحكومة، ) أو ظله.
خطاب حامل الحقيبة الوزارية أو ظله يحدد سياسة الحزب، للسنة البرلمانية القادمة (أكتوبر/تشرين الأول 2001- يوليو/تموز 2012) في مجال وزارته، من مالية، أو اقتصاد، أو صحة، أو تعليم.
وزعيم الحزب (رئيس الحكومة)، ليس برئيس مجلس إدارة الحزب، هو الذي يتناول في خطابه بعض الأسس الآيديولوجية كخطوط عريضة تميز الحزب عن غيره. المحافظون يقدسون حرية الفرد في الاختيار، وتقليل تدخل الدولة في شؤونه وتخفيض الضرائب والالتزام باقتصاديات السوق الحر ومساعدة حرية التجارة وتدفق الأموال من وإلى بريطانيا. وعكسها الآيديولوجية الاشتراكية للعمال التي تزيد الضرائب وتعظم دور جيش بيروقراطيين يتدخل في شؤون الفرد من طريقة تربية أولاده إلى لون صندوق نفاياته. فمثلا ألغت حكومة المحافظين المشروع المكروه لحكومة بلير العمالية لإجبار الناس على حمل بطاقات تحقيق الشخصية.
أما الوزراء وظلهم فعادة ما يخلو خطابهم للمؤتمر السنوي من الآيديولوجية، ويركز على تفاصيل خطة الاقتصاد والاستثمار إذا كان وزيرا للأعمال والتجارة، أو تنظيم التعليم وتطويره إذا كان وزيرا للمعارف. أما إذا كان وزير معارف الظل، أي المسؤول عن حقيبة التعليم في المعارضة، فيقدم خطته مثلا لتقليل عدد التلاميذ في الفصول، أو تعديل المناهج، مع تقديم أرقام واضحة في الميزانية التي تمكن المدارس من تطبيق الخطط ومصادر هذه الميزانية. وطبعا الصحافة تراقب بعين الصقر الصياد، إذا ما كانت هذه الأرقام مثلا عملية، أي تتوافق مع الأرقام التي قدمها زميله وزير خزانة الظل (الخزانة treasury) هي وزارة تحتية تحت إشراف وزير المالية chancellor of the exchequer بينما تترجم الصحافة العربية المالية خطأ كوزارة الخزانة.
ولذا أمام الناخب الخيار بين الحكومة، وحكومات ظل في أحزاب المعارضة، كل برامجها متاحة بالأرقام؛ حيث تغطي الصحافة بكافة أشكالها مؤتمرات الأحزاب الكبرى، حكومة ومعارضة بالدقة والعمق نفسيهما ومساواة الوقت المخصص.
أذكر حضوري المؤتمر العام للحزب الوطني الديمقراطي في مصر عام 2006 عندما سمحوا لنا كصحافيين أجانب بالحضور (وكانت الاستثناء) عندما وظفت الصحف المدعومة من دافعي الضرائب، وبرامج التلفزيون والإذاعة (الممولة من الخزينة العامة) في خدمة بروباغندا الحزب - وتجاهلت مؤتمرات الأحزاب الأخرى كالتجمع والوفد والغد.
كانت النغمة الآيديولوجية عالية في كلمات زعامات الوطني، بما فيها الرئيس السابق حسني مبارك (وكان زعيما للحزب وأذكر الكتابة في laquo;الشرق الأوسطraquo; ناصحا بفك الارتباط الشاذ بين الحزب الوطني وبين مؤسسة رئيس الدولة كرئيس لكل المصريين باختلاف انتمائهم السياسي ولضرورة الفصل بين الدولة، باعتبارها القاعدة الثابتة للأمة والحكومة الممثلة للأغلبية فقط، والقابلة للتغيير).
ورغم بذلنا الجهود والاستفسار فيما بيننا (8 صحافيين بريطانيين) من أكثر من 50 وزيرا ومسؤولا كلهم أعضاء في الحزب الوطني، لم نجد أرقاما محددة لميزانيات الوزارات المهمة كالصحة والمواصلات والدفاع والداخلية والتعليم.
وربما الاستثناء كان وزير التجارة، رشيد محمد رشيد وقتها الذي أعطانا عدة أرقام عن العاملين في القطاع العام، وتكلفة برنامجه للخصخصة من الخزانة في شكل تعويضات تدفع لموظفي القطاع، وتقديرات الدخل من مبيعات الأسهم وضرائب التمغة. الطريف أنه قدم المعلومات على مائدة إفطار غير رسمي في نادي العاصمة، وليس في محاضر اجتماعات أو جلسات مؤتمر الحزب الحاكم