الحسين الزاوي
بعد أشهر قليلة من الحديث الإعلامي عن وجود حضور قوي للإسلاميين في صفوف الثوار الليبيين، جاء المؤتمر الوطني للأمازيغية الذي انعقد يوم 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، ليؤكد للمتابعين للشأن الليبي، أن مطالب الإسلاميين لم تعد تحتكر الساحة السياسية والثقافية الليبية، فالحركة الثقافية الأمازيغية التي قاد بعض رموزها المقاومة الليبية في جبل نفوسة وكل المناطق المحيطة به، إضافة إلى مدينة زوارة الساحلية، يطمحون إلى أن يكون لهم إسهام فعال في بناء ليبيا الجديدة . كما أن أمازيغ ليبيا يريدون التأكيد أن عناصر الهوية الليبية لا يمكن حصرها في الإسلام واللغة العربية، فاللغة الأمازيغية يجب أن تكون عنصراً أساسياً وأصيلاً من عناصر الهوية الوطنية في ليبيا الجديدة، وفق ما يذهب إليه ثوار جبل نفوسة في تصريحاتهم لوسائل الإعلام الأجنبية . وقد صرح السيد ldquo;مدغيسrdquo; في وقت سابق لجريدة فرنسية قبل تحرير مدينة طرابلس، أنه ldquo;مازالت هناك خطورة في أن نكون [نحن الأمازيغ] غداً أيضاً ضحية للتمييزrdquo;، وأشار في السياق نفسه إلى أنه يرفض التصريحات التي تؤكد أن الإسلام هو الدين الوحيد للدولة الليبية الجديدة، مشدداً على أنه: ldquo;يجب الاعتراف بكل الديانات . . . إننا نقاتل من أجل الحرية والديمقراطية، وليس من أجل العودة إلى الوراءrdquo; .
التنافس بين الإسلاميين ورموز الحركة الأمازيغية لا يقف عند هذا الحد، فقد مثّل حدثُ تحرير العاصمة طرابلس، مناسبة للمزايدة بين الجانبين؛ فإذا كانت بعض وسائل الإعلام العربية قد أعلت من شأن دور الإسلاميين في تحرير العاصمة، فإن ثوار نفوسة والجبل الغربي يؤكدون أن القسم الأكبر من الثوار الذين شاركوا في معركة طرابلس الحاسمة، جاؤوا من جبل نفوسة والمنطقة الغربية . وأشار المناضل الأمازيغي ldquo;مدغيس بوزخارrdquo; وهو أحد المعتقلين السياسيين في عهد نظام القذافي البائد، في تصريح أوردته جريدة ldquo;لوموندrdquo; الفرنسية، أن ldquo;المجلس العسكري لطرابلس (الذي يقوده عبد الحكيم بلحاج)، لا يمثل شيئاً كبيراً، وثوار نفوسة لا يتلقّون أوامر إلا من قادتهم العسكريين المباشرين، وهم بطبيعة الحال يتدخلون أيضاً للقيام بمهام توفير الحماية بطلب من أشخاص منحدرين من منطقتهم، والشيء نفسه يحدث بالنسبة إلى الثوار الذين جاؤوا من مصراتة أو من مناطق أخرىrdquo; .
أما الزعيم الإسلامي عبدالحكيم بلحاج، فقد صرح من جهته في مقال نشرته جريدة ldquo;الغارديانrdquo; البريطانية أنه ldquo;لا أحد يستطيع تهميش الإسلاميين في ليبياrdquo; وسيشاركون، بحسب قوله، في الحياة السياسية إلى جانب التيارات السياسية الأخرى . وقد لاحظ الكثير من المتتبعين أن القوى الغربية الكبرى، لم تعد تعترض على مشاركة الإسلاميين في السلطة، وترى أن الكثير منهم يمكن استيعابهم بسهولة في النظام السياسي الجديد . ومع ذلك فإن التخوف الغربي بشأن الإسلاميين يظل قائماً في صورة ما إذا تمكنوا من الاستحواذ أو الانفراد بالسلطة وإزاحة كل خصومهم السياسيين حتى وإن تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية، خاصة أن الانتشار الكثيف للسلاح بين صفوف الثوار يمثل إغراء يصعب مقاومته في صورة ما إذا وصل الخلاف بين مختلف التشكيلات السياسية إلى مستويات لا يمكن التغلب عليها دون الاحتكام إلى لغة الرصاص .
الثوار الأمازيغ اعتبروا في سياق متصل، أن مسودة الدستور التي كشف عنها المجلس الانتقالي لا تستجيب إلى تطلعاتهم، لأنها تعدّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة، حتى وإن أشارت المسودة إلى ضرورة احترام الحقوق اللسانية والثقافية لكل مكونات المجتمع الليبي . وتشير بعض الأوساط الليبية إلى أن الأمازيغ يمثلون حالياً نحو 10 في المئة من المجتمع الليبي، علماً أن القسم الأكبر، أي ما يعادل 90 في المئة من الشعب الليبي ينحدر من أصول أمازيغية، وأصبح عربي اللسان بفضل التمازج الثقافي واللغوي الذي حدث داخل المجتمع طوال قرون من الزمن . وعليه فإن البعض يرى أن مطالبة أمازيغ ليبيا بضرورة أن يكون هناك إقرار دستوري بأن تكون اللغة الأمازيغية لغة رسمية، وليس فقط وطنية كما حدث في الجزائر، أمر مبالغ فيه . كما أن حديثهم عن النموذج المغربي الذي اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية غير واقعي، لأن المملكة أقدمت على هذه الخطوة استجابة لاعتبارات سياسية محلية وإقليمية، إضافة إلى أن عدد المتحدثين باللهجات الأمازيغية في المملكة يصل، بحسب بعض المصادر الفرنسية، إلى حدود 17 مليون، ويقترب من 14 مليوناً في الجزائر، أما في ليبيا فالعدد لا يكاد يتجاوز نصف مليون في الوقت الذي لا تتعدى فيه هذه النسبة حدود 90 ألفاً في تونس . وفضلاً عن ذلك فإن المملكة المغربية تنعم باستقرار ثقافي ولغوي وهوياتي، الأمر الذي جعل البعض يفسّر اعترافها باللغة الأمازيغية كلغة رسمية مجرد ديباجة دستورية، لم تتمخض عنها حتى الآن أي نتائج تطبيقية، لأن اللغتين المتداولتين حتى الآن على جميع المستويات، خاصة الثقافية والإدارية وحتى التعليمية، تتمثل في اللغتين العربية إلى جانب الفرنسية . ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى اعتدال الحركات الثقافية الأمازيغية المغربية في مطالبها، وعدم التزامها تنفيذ أجندات خارجية، لذلك فهي لم تلجأ حتى الآن إلى المطالبة بتطبيق كل ما يستتبعه هذا الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية من استحقاقات ملزمة .
ويرى البعض من جهة أخرى، أن الحركة الأمازيغية في ليبيا لا يمكن مقارنتها بمثيلتها في الجزائر، خاصة في منطقة القبائل التي وقعت تحت تأثير توجهات الأكاديمية البربرية في باريس منذ بداية السبعينات من القرن الماضي . فالحركة الأمازيغية الليبية ليست لها أي خلفية فرانكفونية، وقد بدت أنها معتدلة إلى حد بعيد في مطالبها خلال المسيرة التي نظمتها يوم 28 سبتمبر/ أيلول الماضي في ساحة الشهداء . ويمكن القول عطفاً على ما سبق، إن الاستقرار في ليبيا سيتطلب، خلال المرحلة المقبلة، تضافر جهود كل الليبيين من أجل تجاوز الخطابات التي تلعب على وتر الانقسامات الثقافية والمناطقية سواء كانت إسلامية أو أمازيغية أو علمانية أو قبلية، فصدر الوطن الليبي كبير ويتسع لكل أبنائه .
التعليقات