هاشم عبدالعزيز
إذا صحّت الأنباء عن مقتل أنور العولقي اليمني الأصل الأمريكي الجنسية، في عملية نفذتها المخابرات الأمريكية بوساطة طائرة بلا طيار، فهذا يعني أن الرجل الثالث في قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الأمريكي من قادة تنظيم القاعدة التي تصدّرها أسامة بن لادن قبل اغتياله وبعد أيمن الظواهري، الذي صار المطلوب الأول، قد قتل .
وبحسب المصادر المختلفة التي تداولت الحديث عن العملية التي نفذتها طائرة من دون طيار في منطقة تسمى ldquo;السيلrdquo; بين محافظتي الجوف ومأرب، بناءً على معلومات استخباراتية يمنية، فإنه قتل مع العولقي قيادي في تنظيم القاعدة ذو كفاءة إعلامية كبيرة هو أنور خان الذي يحمل الجنسية الباكستانية، إضافة إلى ستة مرافقين من قبائل آل عبيدة كانوا جميعاً على متن سيارتين أمطرتا بقذائف صاروخية .
في النظرة العامة إلى العملية بمجرياتها، كانت أمنية تمكنت من خلالها المخابرات الأمريكية بالتعاون مع أجهزة أمن يمنية من وضع نهاية لحياة ومصير واحد ممن تعدّهم أكبر رؤوس الإرهاب في عالمنا بأسره، وأنها نالت من العولقي الذي تعدّه الولايات المتحدة أحد أكبر التهديدات لأمنها القومي .
ومن التهم الموجهة أمريكياً إلى العولقي أنه ساعد على استقطاب وتجنيد عمر الفاروق عبدالمطلب النيجيري، الذي اتهم بمحاولة تفجير طائرة مدنية فوق مطار ديترويت في ميتشغان في 25 من ديسمبر/كانون الأول 2009 وأنه (العولقي) تبادل رسائل بريد إلكتروني مع الضابط الأمريكي نضال حسن المتهم بقتل ضباط في قاعدة فورت هود العسكرية بتكساس، وفي صنعاء واجه العولقي العديد من الاتهامات بقضايا على صلة بالإرهاب وصدرت بحقه أحكام قضائية .
غير أن العملية لم تبق قاصرة على هذا المشهد، إذ باتت مفتوحة على تساؤلات في شأن توقيتها وتوظيفها الذي مازال متواصلاً وعلى الأقل من الناحية الإعلامية، ما يحتمل القول إن العملية نفذت أمنياً، لكنها تنطوي على رسائل سياسية .
في التوظيف، نال الداخل الأمريكي النصيب الأكبر من تسويق هذه العملية كإنجاز لإدارة أوباما، وبدا أوباما، كما لو أنه كان في لحظة انتظار إعلانه، إن ldquo;مقتل العولقي خطوة بارزة في جهودنا للقضاء على القاعدة وأعوانها - رفاقها - وفي السياق ذاته هذا النجاح هو حقيقة تكريم لمجتمع مؤسسة مخابراتنا وأيضاً لجهود اليمن وقواته الأمنية التي عملت بشكل وثيق مع الولايات المتحدة على مدى السنوات العديدة الماضيةrdquo; .
ويبدو أن أوباما أمام تفاقم أزمة بلاده، التي انتقلت من إفلاس مؤسسات مالية عديدة إلى أزمة اقتصاديه متنوعة، وبدء انفجارات اجتماعية غاضبة ضد ما وصفه المتظاهرون في نيويورك وعدة مدن أخرى ب ldquo;سطوه المال التي أفسدت حياة الأمريكيين الإنسانيةrdquo;، ونعتهم لمراكز المال ب ldquo;الحلقة الجهنميةrdquo;، واتهامهم لحكومتهم بأنها ldquo;تعمل ضد مواطنيهاrdquo; ولمصلحة ldquo;قلة احتكارية وابتزازيةrdquo;، يبدو أن أوباما الذي تخلى عن وعوده في إعادة بناء أمريكا الجديدة لم يعد أمامه من إنجاز لإعلانه سوى هؤلاء الذين تغتالهم المخابرات الأمريكية تحت ذريعة الحرب على الإرهاب .
قائمة الأوائل من هؤلاء ضمت من هم من جنسيات وأصول غير أمريكية، الآن ومع اغتيال العولقي يأتي من هو من جنسية أمريكية والبقية تأتي تحت مظلة حماية المصالح الأمريكية .
في التوقيت جاءت العملية في أخطر الأوضاع اليمنية وفي أسوأ ما باتت عليه أجهزة الأمن من جراء ما ترتكبه من جرائم في مواجهة الموجات الجماهيرية الشعبية الاحتجاجية، والحشود المعتصمة السلمية ضد النظام التي حولت اليمن بأسره إلى ساحة ثورية .
ولم تجر العملية، بحسب الزعم الأمريكي خارج هذا الوضع، بل هي مرتبطة به ومن أوجه عديدة .
لقد أراد الأمريكيون أن يؤكدوا ما هو مؤكد في مواقفهم منذ بدء الأزمة اليمنية في شأن وضع ومستقبل أجهزة الأمن اليمنية التي ساعدوا على إنشائها ويقودها أبناء الرئيس صالح وأقاربه، من أنه في مقابل تعاونها المتواصل وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي، تحصل على الدعم الأمريكي الدائم في سياق التعاطي الأمريكي في اليمن بأولوياته الاستخبارية .
وعلى هذه القاعدة يريد الأمريكيون أن تقرأ الرسائل والإشارات التي حملتها العملية في ظل الوضع اليمني الراهن من قبل المعنيين والمهتمين في الشأن اليمني في الداخل والخارج، فالأمريكيون يحبذون إحداث إصلاحات وتغييرات في اليمن في مناح ومجالات عديدة، غير أنهم يستثنون بحزم اقتراب التغيير أو التأثير إلى الأجهزة الأمنية اليمنية في ارتباطها وعلاقاتها مع الأجهزة الأمنية الأمريكية .
ومع أن الأمريكيين سبق لهم أن ركزوا أثناء الثورة التونسية والمصرية على الحلقة العسكرية والأمنية، إلا أنهم يرون في اليمن أن هذا ldquo;حقrdquo; يجددون استحقاقه .
السؤال هو: هل تمضي الأمور بمشيئة أمريكية ؟
لأن أعداء أمريكا لا يولدون ولكن السياسة الأمريكية تولد المخاطر على المصالح الأمريكية في المنطقة العربية؛ فمن حيث لا يرغب الأمريكيون قد تأتي عملية اغتيال أنور العولقي بما هو مغاير لحساباتهم ولسبب بسيط هو أنها جاءت في ظل أوضاع غير تلك التي نفذت في وقت سابق في اليمن .
من مؤشرات التداول عن قانونية الاغتيال يبدو أن ما هو قادم سيكون فتح ملفين:
الأول ملف القاعدة الذي لم يعد محتملاً أمنياً وسياسياً واجتماعياً ووطنياً أن يبقى في ldquo;الدهليزrdquo; الاستخباري الأمريكي أساساً واليمني بتبعيته بما يترتب عليها من مخاطر اللعب والتلاعب .
أما الملف الثاني فهو الاتفاقات الأمنية تحت مظلة الحرب على الإرهاب التي حولت اليمن إلى منفى مفتوح ومواطن مباح ووطن مستباح .
التعليقات