أحمد الجارالله
ليس الأقباط أقلية طارئة على مصر, بل ان هذه الدولة استمدت اسمها منهم, وفي اللغات القديمة يعني مصطلحquot;قبطيquot; او quot;إيقوبطيquot; المواطن المصري, لذلك من العسف ان يهدر حق هذه الشريحة الاساسية من الشعب التي ساهمت طوال القرون الماضية في حركة الحضارة المصرية, وكانت اول من رسخ مفهوم الانتماء الوطني في العالم العربي, حين نظرت الى غزوة نابليون بونابرت على انها احتلال, رغم كل الشعارات الدينية التي رفعها الفرنسيون في غزوتهم تلك, وفصلت بين المواطنة والانتماء الديني, فاعطت ما لقيصر لقيصر وما لله لله, عملا بقول السيد المسيح(عليه السلام), وهو ما ابعد مصر طوال العصور الماضية عن الوقوع في براثن الفتنة الطائفية.
رغم كل هذا التاريخ الوطني والمساهمات الفاعلة في الحضارة المصرية عاش الأقباط في العقود القليلة الماضية تهميشا سياسيا وحقوقيا لا يليق ابدا بأول دولة في العالم وضعت فيها وثيقة لاحترام حقوق الانسان, قبل ثلاثة الاف عام, بل ان هذا التهميش, اذا كان بعلم فذلك امر خطير جدا والاخطر ان يكون من دون علم, لانه تحول اذى من مراكز قوى وانصاف مثقفين في الدولة او من جماعات متطرفة فسرت العقيدة الاسلامية على غير حقيقتها, ولم تأخذ بالتسامح واليسر الذي بني عليه الدين الحنيف, واسقطت من ذاكرتها حادثة رفض الفاروق عمر بن الخطاب الصلاة في احدى كنائس فلسطين حتى لا تؤخذ حجة من بعض الجهلة لاستباحة اماكن العبادة تلك لان الاسلام ليس دين هدم كنائس ومعابد غير المسلمين, بل ان تلك الجماعات المتطرفة لم تعمل بقول العزيز الحكيم quot;ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ quot;, انما ارادت اعادة تشكيل الاسلام على اساس تفسيرها ما جعلها ترتكب اعمالا ارهابية في العديد من دول العالم بقيادة زعيمها اسامة بن لادن وغيره من الارهابيين.
للاسف الشديد وقعت مصر في فخ المتطرفين في الاونة الاخيرة, حيث سجلت التقارير اكثر من مئة اعتداء على الأقباط ودور عبادتهم, في سلوك مخالف للطبيعة المصرية القائمة أساسا على التسامح والمحبة والترابط الوطني. ولم يدرك من بيدهم الامر أن الحفاظ على الأقباط واستقرارهم في وطنهم ليس واجبا وطنيا مصريا وحسب, بل هو ايضا واجب ديني تحتمه العقيدة التي تأسست على احترام حق الآخر في دينه عملا بالآية الكريمةquot; لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِquot;, لا سيما في بلاد, منذ الفتح الاسلامي قبل اكثر من 1400 عام, كان فيها للمسيحيين دورهم الواضح في رص الصفوف والتلاحم الوطني, بل إنهم وقفوا الى جانب فاتح مصر عمرو بن العاص في الكثير من المناسبات الوطنية, فكيف بعد كل هذا التاريخ تهمش هذه الشريحة العريضة من الشعب وتغمطها حقوقها, وتتعرض للاذى? كيف تهمش هذه الشريحة وأكثريتها من اصحاب الثقافة العالية والفكر النير, بل إن بعض العلماء الأقباط تشهد لهم الساحة الدولية?
لا بد من اعتراف مصري رسمي بان ما حدث منذ ما بعد الثورة, وخصوصا الاحداث الاخيرة ,انما هو خطأ فادح, لان الاعتراف بالخطأ فضيلة, خصوصا انه فعل لا يمثل الاخلاق و لا الثقافة المصرية, بل هو عمل دخيل يراد منه إضعاف مصر, وتفتيتها, وهو ما يرفضه إسلام مصر, والضمير والمنطق والواقع, اذ لا أحد يريد أن يرى هبة النيل مقسمة, ولذلك على المجلس العسكري والحكومة المصرية أن يبادرا الى علاج جذري لهذه الظاهرة الدخيلة على بلادهما ويتداركا الوقوع في مأزق تدفعهما إليه بعض القوى التي باتت أجندتها واضحة للعالم أجمع. فمن فعل هذا بمصر هم خوارج سياسة, وخوارج فكر مهووس بالتخريب لعنهم الله وأذلهم.
التعليقات