فايز رشيد

ما كادت روسيا (ومعها الصين) تأخذ موقف الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل قرار بإدانة سوريا، حتى أتى تصريح الرئيس الروسي ميدفيديف والذي قال فيه: ldquo;على النظام السوري الرحيل إذا لم يحقق الإصلاحاتrdquo; . من ناحية ثانية: استقبلت روسيا (الثلاثاء 11 أكتوبر الحالي) وفداً من المعارضة السورية الأمر الذي يبدو فيه وكأن ثمة تناقض في الموقف الروسي حيال النظام السوري .

بدايةً، من الصحيح القول إن تناقضاً (ثانوياً) يقوم بين موقف الرئيس ميدفيديف ورئيس الحكومة فلاديمير بوتين حول سوريا، فالأول يرى أهمية معاقبة دمشق (كما عكست ذلك تصريحاته ومقالات للعديدين من الكتّاب الروس)، ولذلك فهو أميل إلى الاتفاق مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ليس في إدانة دمشق فقط، وإنما أيضاً تجاه العلاقة في مختلف المجالات مع هذه الأطراف . بوتين هو الأكثر حزماً تجاه واشنطن وحليفاتها في ما يتعلق بالشأن السوري ومع تعزيز العلاقات مع نظام الرئيس الأسد الابن، ولكن في الوقت نفسه مع تطبيق الإصلاحات وإجراء حوار مع المعارضة السورية، خاصة تلك التي تقف ضد التدخل الأجنبي في الشأن السوري، وضد الاستعانة بقوات عسكرية من حلف الناتو لضرب سوريا، كما يرى بوتين أيضاً، أن سوريا هي المدخل الوحيد المتقبي لروسيا في المنطقة، وهو ليس على استعداد للمقامرة بقبول نظام جديد يأتي خلفاً للنظام الحالي، وبخاصة إذا ما أتى النظام العتيد على ظهور الدبابات الأمريكية والناتوية، ومن الطبيعي والحالة هذه أن يكون هذا النظام المفترض على وفاق تام مع واشنطن والعواصم الغربية، فالدرس الليبي مازال ماثلاً في الأذهان، والكعكة الليبية ذهبت إلى الدول الغربية من حيث الثروات وبخاصة النفط فكافة عقود الاستثمار وقعتها الدول الغربية، وبشكل خاص فرنسا التي حُرمت من الاستثمار في العراق نتيجة لموقفها المعارض من التدخل العسكري في أراضيه .

وبالعودة إلى الوضع الروسي الداخلي، فإن ثمة صفقة جرى إبرامها بين رأسي روسيا الكبيرين، ففي المؤتمر الأخير لحزب روسيا الموحدة (الحزب الحاكم) والذي جرى عقده منذ شهر، أعلن ميدفيديف ترشيح فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/ آذار ،2012 بالمقابل أعلن الرئيس الروسي موافقته على اقتراح بوتين بتصدر قائمة الحزب في الانتخابات التشريعية المقررة في 4 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مبدياً استعداده للعمل بنشاط في الحكومة عقب الانتخابات الرئاسية .

من المعروف: أن بوتين رأس روسيا لولايتين من 2000 إلى ،2008 ولما كان الدستور لا يتيح له الترشح لولاية ثالثة، رشّح زميله وصديقه ميدفيديف (رئيس الحكومة) ليخلفه في رئاسة البلاد . فضلاً عن ذلك جرى في عام 2008 إقرار إصلاح دستوري يطيل الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات اعتباراً من ،2012 وبذلك يمكن نظرياً لبوتين (58 سنة) أن يرشح نفسه من جديد في عام 2018 (إذا ما نجح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو على الأغلب سيفوز) وأن يبقى في السلطة حتى عام 2024 .

ولايتا بوتين السابقتان تميزتا بالضرب بيدٍ من حديد على أيدي المافيات التي انتشرت مثل النار في الهشيم في زمن يلتسين، فقد قام بتصفيتها وسجن العديد من رؤوسها، وعاد الأمن كما كان إبّان الحقبة السوفييتية . بوتين أعاد للقطاع العام الروسي هيبته، فقد قام بمحاكمة الكثيرين من الإمبراطوريين الروس المتحكمين بالثروات وبخاصة قطاع النفط، وهو ما أدى بالغرب إلى اتهامه بالفردية والدكتاتورية والحكم المطلق .

على صعيد السياسة الخارجية تميز بوتين في علاقته مع الغرب بنمط أكثر تشدداً من ميدفيديف وبخاصة تجاه الدرع الصاروخية التي حرصت أمريكا على إحاطة روسيا بقواعدها الكثيرة . بوتين يحلم بإعادة المجد إلى روسيا كما كان في الحقبة السوفييتية مستغلاً عاملين العامل القومي، وهو ما يلامس ضمائر أغلبية الروس، والعامل العسكري من خلال الاهتمام بالجيش وتحديث أسلحته . ميزانية روسيا في أواخر الولاية الثانية لبوتين وبعد أن عانت من العجز الكبير في عهد يلتسين تميزت بوجود فائض فيها، ظل منسحباً في روسيا حتى اليوم في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية أزمات مالية خانقة .

موقف الفيتو الأخير الذي اتخذته روسيا في مجلس الأمن، هو بقرار من رئيس الحكومة فلاديمير بوتين، ووفقاً لبعض المحللين السياسيين الروس فإنه جاء مخالفاً لرغبة ميدفيديف، كذلك بوتين هو صاحب مبادرة إرسال وفد روسي لزيارة دمشق والاطلاع مباشرة على حقيقة ما يجري فيها .

لم يتبق من ولاية ميدفيديف سوى أشهر قليلة، ثم يأتي بوتين الذي ينظر إليه الزعماء الغربيون شَزَراً، ويبقى القول إن الفيتو الروسي هو رسالة واضحة لواشنطن ولكافة العواصم الغربية .