هيام القصيفي

تخشى مراجع أمنية مطلعة ان تتفاقم قضية اللاجئين السوريين في لبنان، وتتحول تدريجاً مشكلة قائمة في ذاتها أكثر منها مشكلة انسانية بحتة. وفي تقدير هذه المراجع ان ثمة معضلة جديدة قد يعانيها البلد، وتتلخص بكيفية معالجة اوضاع اللاجئين، وسط انقسام حول اسلوب التعامل معهم. ففي ظل الضغط الديبلوماسي الغربي والعربي، ثمة سعي الى عدم التعرض لهؤلاء اللاجئين من قريب او بعيد، او حتى التدقيق في هوياتهم، ومعاملتهم على قاعدة انهم معارضون مسالمون، وضرورة حمايتهم. ولكن في المقابل هناك واقع يومي يعرفه لبنان وخبره مدى اعوام، يجعل الخشية تكبر من امكان دخول عناصر مشاغبة الى اراضيه، او تحول التجمعات السورية مناطق توتر بين معارضين وموالين للنظام السوري او مع المحيط اللبناني، بحيث تتحول المشكلة الانسانية معضلة امنية.
وترى هذه المراجع انه كلما طالت فترة الاحداث السورية، زادت المخاوف الامنية، وارتفعت درجة التحذير من مغبة اهمال هذا الواقع، وخصوصاً ان ما تنقله مصادر سياسية مطلعة يصب في اطار تأكيد جنوح الوضع السوري تدريجا نحو التأزم. وفي حين يتحول الخبر السوري اليومي، كمثل يوميات الحرب اللبنانية، يتحدث العارفون بالوضع السوري الداخلي في صورة مطردة عن فرز مناطقي بين المحافظات السورية الساحلية والداخلية على السواء، يضاف الى ذلك تصميم واضح من جانب المعارضين على استكمال التظاهرات، وانهاك القوة الاساسية في الجيش التي تتولى عمليات القمع وتتنقل من منطقة الى أخرى منذ ثمانية أشهر. وجاءت التطورات الليبية الاخيرة، وتأليف لجنة وزارية عربية للحوار مع النظام السوري لتفتح امام المعارضين السوريين احتمالات جديدة عن متغيرات قد تطيح النظام السوري.
وتقول مصادر لبنانية مطلعة ان السعي العربي الذي تمثل أخيراً بتشكيل لجنة وزارية عربية لاجراء حوار مع دمشق، لا يمكن التعامل معه الا على أساس انه خطوة تتعدى الاطار العربي لتتقاطع مع الموقف الروسي، بمعنى اجتذاب موسكو الى الحلقة العربية التي تتخذ موقفا موحدا من النظام السوري. وتشير اوساط مطلعة عن كثب على الموقف السعودي، الى ان الرياض اتخذت قرارها بعد انكفاء دام اشهراً طويلة، في تكريس موقفها المعارض للنظام السوري، ولا سيما بعد محاولة الاغتيال الايرانية للسفير السعودي في واشنطن عادل الجبير.
وتشكل السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر محوراً ثلاثياً في مواجهة التطورات الشرق الاوسطية، الا ان ثمة تفويضاً لقطر لقيادة هذا التحرك لأسباب عملانية وسياسية على السواء. من هنا جاء ترؤس قطر للجنة الوزارية، اضافة الى توليها قيادة المعركة الاعلامية ضد نظام الرئيس بشار الاسد ودعم المعارضين السوريين. وتذكّر مصادر سياسية بانه سبق اجراء حوار بين النظام والمعارضة، جس نبض تولته مراكز غربية ودوائر تركية استمزج فيه باحثون لبنانيون وشرق اوسطيون امكان تطبيق تجربة الطائف في سوريا والعراق نظرا الى التنوع الطائفي والاتني فيهما. وجاء الاقتراح العربي الأخير بمثابة سعي الى ارباك دمشق، التي تبلغت ان اي رفض للجنة سيعقبه موقف عربي جامع أكثر تطوراً، اضافة الى انه أتى بمثابة محاولة لثني روسيا وحتى الصين عن موقفهما المؤيد للأسد، الى الموقف العربي الموحد، ولا سيما بعد الفيتو الذي استخدمه البلدان لإبطال قرار في مجلس الأمن يدين النظام السوري.
وترى المصادر نفسها انه، بعد تبدل الموقف السعودي، ثمة احتمالات أكثر حدة لضغط تمارسه الرياض على الدولتين، مذكرة بأهمية التبادل الاقتصادي والعسكري بينها وبين الصين وروسيا سواء في مجالات النفط او شراء الاسلحة. مع العلم ان الموقف السعودي يتطور تدريجاً على الخطين السوري والايراني بعد بيان مجلس الوزراء السعودي حول محاولة اغتيال الجبير. وثمة توقعات ان تذهب هذه القضية عبر مجلس الأمن الى المحكمة الجنائية في لاهاي، وهنا يطرح تحد آخر على لبنان في كيفية تعامله مع هذا الملف اذا ما تطور الى هذه المرحلة.
وترصد الاوساط ذاتها كيفية الرد السوري على المبادرة العربية، فبعد التخبط في المواقف الاعلامية والسياسية قبلت دمشق باللجنة رغم ترؤس قطر لها، وما اشاعته أوساط سورية عن رفض هذه الرئاسة. لكن الرصد الأكثر خطورة يكمن في مدى استخدام دمشق الاوراق التي كانت تملكها عادة في لبنان وفي غيره من الساحات، كورقة quot;حزب العمال الكردستانيquot;، مذكّرة بأن سوريا سبق لها ان قدمت زعيم الحزب عبد الله أوج ألان الى تركيا أيام شهر العسل بينهما. في حين ان الحزب شن أخيراً أكبر عملية من نوعها منذ ثلاث سنوات على الجيش التركي، ليضع أنقرة أمام معضلة مزمنة هي التي كانت لا تزال تتردد في حسم خياراتها المطلقة ضد سوريا وفي بالها شبح الدولة الكردية المستقلة.