كأني بدمشق تعاهد التاريخ ألا تخلف قرناً بدون إبراز طغاة يدعمون بسفاحين لرسم طريق يخترق الزمن وتتناثر من حوله الآفات والأهوال والمآسي، وتشويهاً لصفحات تاريخ هذا الوطن، وتلويثاً لمسيرة البشرية في هذه البقعة من الأرض، مهد الحضارات، بإنحطاط خلقي أمام الإنسانية عامة وشعوبها خاصة.

مقابل كل سطر نقي في حضارة الشرق، تقف أكواماً من الصفحات التي تسيل منها الدماء بهيجان مرعب، وأية دماء؟ دماء علماء وفقهاء وعظماء، شعوب وطوائف، الذين بنيت على أكتافهم الحضارات التي نعتز بها ونفتخر بأننا ننتمي إليها، عذبوا وجلدوا وكفروا وصلبوا وأبيدوا لمجرد الإيمان بمبادئ لا تتلائم ومبادئ أنصاف الآلهة والسفهاء والجلادين من حولهم.

الطغاة والسلفيين المتحزبين والأئمة السياسيين من بعد جعفر الصادق، حتى ولو كانوا متناقضين في بعضهن، تكاتفوا في العديد منه، كانوا وراء قتل بن المقفع، والحلاج، وعبد الحميد الكاتب، وسعيد بن جبير وغيرهم وغيرهم، والآن طغاة سوريا يكفرون بجيل من الشباب الواعد بعصر التنوير القادم، مخلفين تشويهاً وعاراً في تاريخ هذا الوطن بالقتل والإجرام العشوائي الجماعي في ساحات الوطن... فهم الجوانب القاتمة لمسيرة الحضارات المليئة بالسواد في صفحات التاريخ، وإن كانوا يتهمون بعضهم البعض الآن، بدعم ثورات الشباب الثائر، فهي المصالح الذاتية الآنية الأنانية.

ألم يُدَرب بشار الأسد مجموعات السلفيين والقاعدة في معسكرات سوريا العديدة وبدعم من فجار ولاية الفقيه، وخلق بهم الجهنم بعينه على أرض العراق، وكانوا رؤوس حربته في الصمود والتصدي المخزي! وهو الآن يتهم الشباب الثائر بأولئك السلفيين الذين كانوا حتى البارحة يسرحون في أروقة قوى اللاأمن، متهيئين لإغتيال قادم كان يخطط بين حين وآخر في قاعات قصر الطاغية.

يود طاغية السلطة السورية خلط الحابل بالنابل، ليكسب القوى العالمية ومعهم الصهيونية العالمية إلى جانبه ويرضي سفهاء ولاية الفقيه، وهل مثله ينسى بأن العالم أصبح بتلك الوضوحية التي لايمكن حتى للنملة أن تختفي في ثقوبها، كاللعبة الرخيصة التي بثها من خلال إعلامه الرسمي، قطع متنوعة من الأسلحة، الكل يدرك تماماً بأن جميع المدن والقرى السورية وفي معظم البيوت توجد قطع مختلفة الأنواع غير مرخصة من الأسلحة، كأسلحة الصيد أو حتى بعض الأسلحة الأوتوماتيكية، وهي عادة لا تزال دارجة بين الشعب السوري خاصة بين العشائر.

أما الأموال، وياللمهزلة، فهو عار للسلطة السورية، أليس هذا أثبات على أن النظام المصرفي في سوريا لا يزال في أدنى مستوياتها العالمية، حيث لا يثق الشعب السوري بإداع أموالهم في البنوك السورية والتي بإمكان أي رئيس فرع بالحجز عليهم، فما بالك بآل الأسد أو آل مخلوف المتخصصين بهذه العمالة، قامت السلطات السورية بنهب أموال الشعب بيتاً بيتاً، والإستيلاء عليها تحت أسم مساعدات خارجية تستعمل للتحريض على الطغاة، والمطالبة بالحرية، الخروج إلى الشارع لايحتاج إلى مصروف أو أموال كما تدعي يابشار، بل يحتاج إلى جرأة لمجابهة دبابات أخيه ومجرميه.

ياللعار يقتل الإنسان في سوريا متهماً بالتعامل مع الخارج حتى ولو كان الخارجي أخ مغترب، تنهب الأموال من البيوت بتهمة مصاريف مبثوثة من الخارج! إنها شقى العمر يا بشار نهبها الحاشية الفاسدة في السلطة، لم يكتفوا بنهبهم للوطن وعلى مدى عقود بدأو ينهبون الشعب تحت ذرائع متدنية؟! يُقتَل المصلون في الجوامع بحجة التجمعات السلفية، هل ستلغى صلاة الجماعة الآن في سوريا؟ تتعارض مبادئ الإسلام في الصلاة وأوامر السيد بشار وخليفة الحجاج، ماهر الأسد، من الآن فصاعداً سوف لن يسمح في سوريا بالصلاة في الجوامع، قريباً سيصبح الجامع الأموي متحفاً تاريخياً فقط، ويجب أن يزار بشكل إنفرادي. تحشدات بأوامر من الخارج في جامع العمري! فقد كان جامعاً ومستشفاً ومصرفاً مركزياً وقاعة للعمليات، ومستودعاً للأسلحة، ومركزاً للمراقبة الإلكترونية الدولية للإطاحة بآل الأسد! يا للعار! لكن السؤال: أي خارج هذا، الأخ، أم الابن الذي في الخارج أم العائلات السورية المهجرة؟!.

هناك في قصور دمشق طغى عبدالملك وتلذذ بالرؤوس المقطوعة المرسلة إليه من قبل عماله في الأمصار، بينهم رؤوس لأبناء أعمامه الذين كانوا في خدمته وخدمة الإسلام وكانوا جنود الله ورسوله، ك quot;عمرو بن سعيد بن العاص quot; أحد أهم القادة الذين عضدوا أركان خلافته، تحجج بأنه خان الخلافة وتآمر، مبرءأً نفسه من قطع رأسه بإظهار عبارات التأثر والألم المنافق، أليس هو الذي خطب في أهل المدينة بعد سبي الحجاج لها قائلاً: quot;... والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه...quot; له ما ل quot; بشار الأسد quot; من التهديد والوعيد والعبارات الضبابية والتفلسف في الجمل واللعب بالأفكار للتهرب من الوعود التي لا يملك الرغبة، ليست القدرة، على تنفيذها، فيلقي باللوم على المقربين الذين يود الإطاحة بهم، إن لم يكن بقطع الرؤوس، فبإدعاء صيغة الرغبة في الإنتحار بعدة طلقات! أو اغتيال في إحدى شوارع المدن السورية بيد الموساد الإسرائيلي، أو تطهير لجماعة معارضة على مبدأ الأمن الداخلي من التدخلات الخارجية، بيد عصابات خاصة دربت من أجل القمع والقتل والتهريب والنهب، والتي سميت جدلاً بين الجماهير بالشبيحة.

تعضد عبد الملك بأكبر سفاح عرفته التاريخ الإسلامي quot; الحجاج بن يوسف الثقفي quot; الإنسان الذي سود تاريخ الإسلام في إحدى أهم فتراته، رغم ما يعاد إليه من التوحيد في الخلافة وتقويتها وفتوحاتها التي بنيت على الجماجم البشرية، وما يستحسن فيه من أعمال كتعريب الدواوين و صك العملة العربية، وكأنه تحرير من إملاءات البيزنطيين والفرس، إلا أن هذا لا يمسح عنه المآسي التي عملها بعاصمة الرسول يوم دخلها غازياً وأمر جيشه بسبيها لثلاثة أيام بلياليها، حتى يقال أن ألف أمرأة ولدن أطفال في السنة التالية بلا أزواج! وتدميره لبيت الله quot; الكعبة quot; وقطع رأس بن ذات النطاقين والتي كانت قد تجاوزت المائة عام عمراً، ولم يذعن لذكرى الرسول لها، فأراد بسفالة فاجرة لا يمتد إلى أي قيم إنسانية أو إدراك للمغزى المبادئ الروحية الإسلامية، إذلال أم بأبنها المصلوب أمام الكعبة بلا رأس، وهتك لأعراض المسلمين في المدينة ومكة، اشباعاً لحقد وكراهية تخلق مع أمثال هكذا شرائح من البشر، اذلاء لطغاتهم، يُسًخِرون كل مايملكون لتعظيم آخر هناك يدعم غريزتهم اللاإنسانية في القتل والتدمير. لم يختلف عنه ابن الأسد المدلل quot; ماهر quot; خالق الشبيحة، وعاضد كرسي الوريث المقدس، وهو يرى نفسه يتحكم بمصير إحدى اقوى الفرق العسكرية في الجيش السوري، يُخَرج منهم مجموعات متفننة في القتل والتدمير، ويثقفهم بمفاهيم لا تمت إلى الإنسانية والتعامل الحضاري بصلة، ولا تقترب إلى مبادئ الصراع مع العدو، بل تلقن عليهم طرق الصراع مع من يقف في وجه طغي عائلته، لذلك لم يتوانى في التمثيل بدرعا الباسلة والهتك بشوارعها، وإضفاء كل ما تفتق بها أدمغة أعلام أخيه المبشر بالقادم بquot; الرحيل quot;... أباح عرض مدينة مثلما أباح في الماضي والده وعمه أعراض مدينتي التاريخ حماة وحلب، مَثْلَ في شوارع بانياس وحمص بشعور إنسان يدخل مدن الأعداء منتصراً، يتبجح، عن طريق إعلامه المشوه، التلفزيون السوري، ليعلن على جمهوره الخاص من الفاسدين والمارقين وناهبي الوطن، بالإنتصار الفظيع الذي حققه، فقد قبض على الآلاف من الشعب الأعزل، وقتل وشرد المئات، لقد انتصر على الشعب السوري في عدة مدن.

أية أيادي هي التي تجرأت على المساس بهذا الكبرياء، الأيام قادمة والتاريخ لا يرحم، والقصاص سوف يطالكم يا طغاة سوريا. مع كل هذا فهم لا زالوا يخططون، فالمدن القادمة وجماهيرها المسالمة ليست بعسيرة على دبابات فرقة ماهر الأسد الرابعة والشبيحة والعصابات المدربة على القتل والتعذيب، لكنه يسطر بذلك الصفحة الأخيرة من طغيانه على هذا الوطن.

ماهر يقلد الحجاج في لم شمل المارقين والمجرمين والقتلة ومهربي المخدرات، يوم لم شملهم الحجاج من بين جيوشه المحاصرة لمكة، ليبنوا المنجنيق، لتدمير الكعبة وحرقها، والآن ليلبوا رغبة زعيم آل الأسد والحاشية الناهبة للوطن، والمذلة لماهية المواطن الروحية، طبائع السفاحين تشترك بلا معين أو دراسة إنها جينات فاسدة تنتقل، وتنبثق إلى الظهور في الأرضية الثقافية الفاسدة والملائمة للتبرعم.

ماهر لا يزال من الجيل الذي كان من الممكن أن يكون في ساحات الوطن ينادي بالحرية والتحرر من الفساد والطغيان وبناء وطن سليم يتمتع بالحرية الحقيقية، لكن مقابل هذا، طغت عليه كينونة الحجاج، فتغلبت عليه الجينات المرعبة، فدخل الساحات ليس مرتجلاً بين الشباب الثائر، يعاضدهم بالثورة على التخلف والإستبداد، صارخاً بالإصلاح أو التغيير، بل جاب الشوارع متكئاً على فوهة دبابته، يأمر بالرمي على كل حركة لا تتلائم ومفاهيم طاغية الوطن quot; بشار الأسد quot; عظيمهم في الطوطم العائلي.

كان الحجاج يدخل الجوامع ويخرج منها بعد أن كان قد أمر بقطع رؤوس المئات من المصلين، وهكذا فعل ماهرالأسد، دخل الجامع العمري ليس مصلياً أو طالباً للدعاء، بل تعطشاً للدماء، خرج منها قاطعاً أرزاق أكثر من مئتي عائلة، وتدمير لقدر شباب احتموا ببيت الله، وإزالة مصير أكثر من عدة ألاف من العائلات، رافقتها إلقاء التهم والإدعاءات المغرضة على الشرفاء من أبناء هذا الوطن.

أين أوجه الإختلاف بين هذين السفاحين، كلاهما دمرا بيت الله، وكلاهما سفكا الدماء تيمناً بإرواء الغليل المتعطش إلى القتل والدمار، وكلاهما لم ير في الشعب سوى رعاع يجب تسخيرهم لطاعة الطاغية عنوة، وكلاهما أبلغا أنصاف ألهتهم بأن الله أراد ذلك وقد قضينا على الفساد المتمثل في الذين يعارضون الطغيان.

لا استغرب أن يتلذذ ماهر الأسد بهذه المقارنة. المجرم يرى في السفاحين أمثال الحجاج رموز لإلهامهم في الحياة. الأسد لايود أمتلاك قلوب الشعب بل يريدهم مكللين بقيود الخنوع والعبودية، وبألسنة تتحرك بلا وعي تردد أسمه كلما خرج، وشريحة من المثقفين مرتبطين بمصالح متنوعة، مادية أو طائفية، أو مجموعة مأجورة حتى النخاع، تهلهل لجرائمه وكأنه إنتصار لمقدس لا يرون الوطن إلا من خلاله، يعبدونه بدون نقاش، فهو المشرع في الكل، والقاضي في الكل، والمنفذ للكل، ومنه يخرج النهي والآمر. قال الرئيس المقدس وسوف يأمر الرئيس المقدس، وسوف يصلح، وسوف يخطط، وسوف وسوف... الكل فيه وهو هناك في العلياء لا يُلمَس، هكذا كان الحجاج يطغي بإسم عبدالملك وعلي جبروته أرتكز يوم قال كلمته المشهورة في الجور والظلم والطغيان quot;... إنني جئتكم بسيفين، سيف الرحمة وسيف العذاب والنقمة، أما سيف الرحمة فقط سقط مني في الطريق...quot; لكن ماهر وحاشيته لم يملكوا يوماً سيفاً غير سيف القتل والفساد. والأيام التي سيخلعها عنه الشباب الثائر تلك السطوة أقتربت، بل وسيعاقب به، والآجل أصبح عاجلاً، ولا بديل بعد هذا الإجرام المنظم.

عَمَرَ الحجاج طويلاً، ومات بعد مرض وآلام مبرحة، حسبما يقال، ليس للتاريخ مبدأ والشكوك تنخر في أعماق أعظم صفاحتها، مع ذلك يقال بأن الحجاج أمر أن يدفن في مكان غير معلوم وأن يطمر قبره بالماء لئلا يعرف مكان دفنه، فقد قال بأنه يود أن يلاقي ربه ورأسه على كتفيه، فقد أرسل العديد من الناس إلى ربهم بلا رؤوس.لا يزال ماهر الأسد في الأربعينيات من العمر، لا عدالة في الكون تملك القدرة على غسل يداه من الدماء الطاهرة لشباب كانوا في مقتبل العمر، أمامهم كانت تقف كل الآماني والأحلام في الحياة، فهل سيلاقي ماهر الأسد الإله هناك بضمير أم بلا ضمير، بالخيانة أم بالإجرام، بأي ألاء سوف يواجهون الشعب والله.

لا بد وإنه قرأ قليلاً من التاريخ الإسلامي، وهو يعلم بأن الطغاة لهم زوال، الكثيرون منهم من أخرجوا من القبور ومثلوا بهم ومنهم من حوكموا بالرجم، والزندقة والكفر، وفي هذا العصر يحاكمون بالخيانة ضد الوطن والشعب، والأمثلة واضحة أمام بشار الأسد وأخيه ماهر وحاشيتهما، لا أود أن أذكرهم بالأسماء، شَاهَدوا ويشاهدونهم الآن، لله في خلقه شؤون، حتى بالرؤية والسمع واللمس هؤلاء لا يعظون.

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]