راجح الخوري

فوز حزب حركة النهضة التونسي بأكثرية راجحة في الانتخابات[ 47,41 من الأصوات] لم يكن مفاجئاً للذين يعرفون سيكولوجيات المجتمع التونسي، سواء لجهة العطف العام الذي يحظى به الاسلاميون، الذين تعرضوا للتنكيل والاضطهاد طوال عقود، وسواء بالنسبة الى ممارسة الاحزاب الاخرى التي راوح نشاطها عند حدود الطبقة الوسطى في المدن وعجزت عن التواصل مع هموم الغالبية الفقيرة التي وجدت في الاسلاميين ملاذاً واملاً، وسواء بالنسبة الى شباب quot;الفايسبوكquot; والحداثيين الذين يفتقرون الى رؤية سياسية تشكل برنامجاً متفقاً عليه.
السؤال المهم هو: الى اين يمكن ان تأخذ حركة النهضة تونس واي نموذج من الحكم ستقدم الى التونسيين؟ هل تنحو بالبلاد في اتجاه التجربة الجزائرية وتشريعاتها المجهضة وما ادت اليه من حمام للدم، ام تنحو في اتجاه التجربة التركية الناجحة مع حزب العدالة والتنمية؟
واذا كان التونسي محمد البوعزيزي قد اشعل النار بنفسه ليصير شرارة الثورات التي انطلقت في مصر وليبيا واليمن وسوريا، فان في وسع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ان يقدم الى quot; الربيع العربيquot; نموذجاً يستنسخ تجربة رجب طيب اردوغان ورفاقه في تركيا، وهذا امر في غاية الاهمية تتوق اليه دول العالم، التي تريد قيام انظمة اسلامية ذات تطبيقات ديموقراطية تقوم على حطام الانظمة الديكتاتورية التي تنهار في العالم العربي.
ليس هناك افضل من حركة النهضة التونسية لتبدأ هذه التجربة وتنجح فيها مستندة الى امرين اساسيين:
اولاً: طبيعة المجتمع التونسي وما تركته فيه البورقيبية من رحابة وانفتاح يشكلان اساساً مكيناً لثقافة المواطنة، اضف الى ذلك مفهوم الدولة والمؤسسة في البلاد، وهو الذي برز في سلوك القضاء والجيش بعد انهيار حكم بن علي.
ثانياً: ان لجوء الغنوشي وعدد من وجوه حركة الثورة الى الدول الاوروبية وعيشهم هناك فترات طويلة يمكن ان يكون قد دوّر الزوايا الحادة في نظرتهم الى الحكم، وربما من هنا تحديداً يأتي التناقض الذي يبرز في تصريحات الغنوشي، فهو يقول كلاماً مطمئناً الغرب وانصار الديموقراطية ثم يقول كلاماً مضاداً ليطمئن كوادر حركته في الداخل. ورغم ان هناك من يقول انه يريد مرحلياً ان يظهر امام الغرب بمظهر الاعتدال والوسطية لكنه لن يلبث ان يعود الى اسس زعامته الدينية، فان الحكم عليه في نهاية الأمر، سينطلق من طبيعة الاسلوب الذي سيطبقه.
في تونس نظام ليبرالي يساعد الغنوشي ورفاقه على بناء نموذج تركي او ماليزي، وهذا سيكون بالتأكيد لمصلحة تونس وquot;الربيع العربيquot;.