Ted Galen Carpenter


يبدو أن معظم المحافظين الجدد يتجاهلون واقع أن جورج بوش، وليس باراك أوباما، هو الذي وقع اتفاقية انسحاب جميع القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية عام 2011، وسعى أوباما إلى إقناع الحكومة العراقية بتعديل تلك الاتفاقية، لكن سرعان ما أُعيقت جميع مساعيه.
حالما أعلن الرئيس أوباما فشل المفاوضات مع حكومة الرئيس نوري المالكي لإبقاء عدد مهم من القوات الأميركية في العراق بعد نهاية عام 2011، ثارت حفيظة المحافظين الجدد، فاتهموا الرئيس بإضعاف الموقع الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط وبمنح إيران فرصة الهيمنة على المنطقة.
اعتبر النقاد المعتدلون نسبياً أن أوباما أساء في حكمه على الأمور، بينما اتهمه المحللون الأكثر تشدداً بأنه يهدد الأمن الأميركي ويهدئ مخاوف الإيرانيين الذين يتكلون على موقف الحزب الديمقراطي المعروف بمعارضته للحرب.
أبرز ما يمكن استنتاجه من هذه الانتقادات الفائضة التي أدلى بها المحافظون الجدد هو أن المحللين في ذلك المعسكر يعانون حالة حادة من فقدان الذاكرة الجماعية، ويبدو أن معظمهم يتجاهلون واقع أن جورج بوش، وليس باراك أوباما، هو الذي وقع اتفاقية انسحاب جميع القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية عام 2011.
سعى أوباما إلى إقناع الحكومة العراقية بتعديل تلك الاتفاقية، لكن سرعان ما أُعيقت جميع مساعيه حين رفضت حكومة المالكي إعفاء القوات الأميركية المتبقية من الخضوع لأحكام القوانين العراقية.
لكن تبقى حالة النسيان هذه حدثاً ضئيلاً مقارنةً بفشل الأميركيين المؤيدين لخيار استعمال القوة في إدراك التحذيرات المتكررة التي عبر عنها المحللون الواقعيون على مر السنين، أي أن إيران كانت المستفيدة الأكبر من إسقاط صدام حسين على يد الولايات المتحدة. على الأرجح، شعر الملالي في سرهم بالسعادة لأن واشنطن خلّصتهم من ألد أعدائهم الذي كان قد شن حرباً دموية ضد إيران خلال الثمانينيات، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن واشنطن خلّصتهم أيضاً من دولة العراق التي كانت قوة استراتيجية أساسية تتصدى للنفوذ الإيراني، ولا عجب في أن الحكومة الجديدة التي يطغى عليها الشيعة في بغداد أظهرت وداً كبيراً تجاه إيران الشيعية أكثر مما فعل نظام صدام حسين السنّي، وقد أكد الاستقبال الذي حظي به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على السجادة الحمراء خلال زيارته بغداد، في مارس 2008، على واقعٍ كان قد لاحظه جميع مراقبي أوضاع المنطقة باستثناء المحافظين الجدد.
من السذاجة أن يعتبر المحافظون الجدد أن انسحاب بضعة آلاف من الجنود الأميركيين من العراق سيؤدي إلى تدهور الوضع، ولو كانوا يرفضون أن تكسب إيران نفوذاً مهماً في المنطقة، كان يجب أن يفكروا بذلك الخطر في عام 2002 أو في أوائل عام 2003، بدل الضغط بكل قوتهم لإقرار عملية التدخل العسكري الأميركي ضد العراق. لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً- حوالي 850 مليار دولار إلى جانب مقتل أكثر من 4400 جندي أميركي- لتحويل إيران إلى أبرز قوة نافذة في العراق.
كذلك، لا يستطيع المعسكر المؤيد للحرب أن يدعي الحصول على أي جائزة طردية تتمثّل بنشوء حكومة عراقية ديمقراطية بمعنى الكلمة. تكثر الأدلة على أن نظام المالكي بدأ يتحول إلى نظام استبدادي أكثر فساداً، فقد أصبحت الانتهاكات على أنواعها- مثل سجن النقاد (أو حتى تعذيبهم)، ومضايقة أصحاب المنشورات الإخبارية المستقلة، ومحاولة منع الخصوم السياسيين السُّنة من الترشح للمناصب العليا- من المظاهر الشائعة في ldquo;العراق الجديدrdquo;. كذلك، بلغ الفساد مستويات قياسية في هذا البلد. عملياً، يبدو أن الولايات المتحدة نجحت في استبدال دكتاتور سني معادٍ لإيران بشبه دكتاتور شيعي مُوالٍ لإيران، وذلك بعد تكبّد كلفة باهظة على المستوى المالي والبشري. حين يتأمل المحافظون الجدد بالنتيجة الكارثية الناجمة عن تلك الحرب والمتمثلة بتحوّل إيران إلى القوة الرائدة في المنطقة بعد كسبها تحالف العراق، يجب ألا يلوموا باراك أوباما لأنه قرر متابعة خطة جورج بوش بسحب القوات الأميركية المتبقية في نهاية عام 2011، بل يجب أن ينظروا إلى أنفسهم في المرآة، فهم كانوا وراء هندسة هذه الكارثة!