مازن حايك
ورد في تقرير دولي صدر حديثاً، أن quot;الربيع العربيquot; الذي أزهر في منطقة الشرق الأوسط هذا العام، كلّف البلدان المعنية أكثر من 55 مليار دولار، إذ كبّدها خسائر بقيمة 20.6 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وقضَم من ماليتها العامة 35.3 مليار دولار، في موازاة تراجع الإيرادات وارتفاع التكاليف... وذلك قبل احتساب قيمة التعويضات وإعادة الإعمار والنهوض.
لكن، ما لم يَهدُف إليه التقرير أصلاً، هو المقارنة ما بين تكلفة quot;الربيعquot; الناشئ من جهة، وثمن الخيارات البديلة على مرّ السنين، من جهة أخرى، لتبيان أي منهما كان أغلى على المنطقة وأشد وطأة على أهلها. وبنظرة سريعة إلى تكلفة quot;الشتاء العربيquot; طوال 50 سنة ونيِّف، نرى مواسم متكرّرة ومتشابهة من غياب quot;دول الحقquot; وأُطر الحكم الصالح والمساءلة والمحاسبة، وسباقاً محتدمأً نحو التسلُّح، وتَراكُم الثروات لدى الحكّام والديون لدى الشعوب، وانتشار الاهدار والإفساد، وتعثّر عملية إعادة توزيع الثروات، وتفاقُم هجرة الأدمغة... ناهيك عن ازدهار آلة القمع والاغتيال، والتعدّي على الحريّات، وانتهاك حقوق الإنسان، ومقتل الملايين وجرح وإعاقة وسجن عشرات الملايين! وإذا كان تعداد تلك المآسي لا يكفي للتخفيف من تكلفة quot;الربيعquot; وإعطائه حقّه وشرعيته وجَدواه، فإن معدّلات الفقر والبطالة والأُميّة، تُضاف إلى خطر التطرّف والإرهاب، لتؤكّد أن quot;الربيع العربيquot; أصبح مع الوقت حتمياً، لا اختيارياً، خاصة إذا ما نظرنا اليوم إلى نتائجه الأوّلية لناحية تنامي منسوب الأمل لدى الشباب، وتصاعد الثقة بالغد، وتزايد الإنتاجية الإجمالية في المنطقة.
إن نتيجة quot;الربيع العربيquot;، وإن أتت متباينة في وجه عام، فهي تبدو إيجابية من حيث المحصّلة الأوّلية. فالإنحياز إلى الديموقراطية والحرّيات وحقوق الإنسان وquot;دول الحقquot;، لا بدّ من أن يكون أجدى من ظُلم الديكتاتورية، وأرحم من قسوة quot;الشتاءquot; القارص المتوارَث، وأرخص من الأكلاف الباهظة التي دفعتها شعوب المنطقة وأجيالها على مرّ السنين. تبقى العبرة في الأفعال والممارسة، وفي قدرة الأحرار الجُدد على تفادي أخطاء الأسلاف وخطاياهم، وربح ثقة شعوبهم، والإفادة من التجربة الديموقراطية الناشئة لتعزيز قيَم الدولة والمؤسسات والمواطَنة، وبناء المستقبل، لا الوقوع في محاذير التشفّي والانتقام والتقوقُع في الماضي وسلبياته. وإلاّ، نكون بصدد إبدال بعض الحكّام والوجوه القديمة بوجوه أخرى، لكن من دون توفير أي جديد فعلي، أو تغيير الذهنية الحاكمة، أو تطوير quot;النظام المُشغِّلquot; لبلداننا ومجتمعاتنا والأفراد.
أفلا يَصُح القول أن تكلفة quot;الربيعquot; لا تُقدَّر بثمن؟!









التعليقات