محمد السعيد ادريس
التحذير الصادر عن الرئيس السوري بشار الأسد من خطر تدويل الأزمة السورية وخطر أي تدخل عسكري خارجي في هذه الأزمة يكشف عن إدراك سوري خاطئ بعدم جدية التهديدات الغربية للتدخل في سوريا، بالرغم من النجاح الغربي في إسقاط النظام الليبي، لكنه يكشف أيضاً عن ثلاثة مواقف سورية من شأنها زيادة تعقيد الأزمة وتهيئة الظروف لجعل خيار التدخل العسكري الغربي خياراً لابد منه .
الموقف الأول هو أن النظام السوري لم يستوعب الدرس بعد وأنه على إصراره لجعل سوريا معرضة لمعايشة تجربة التغيير العربية تحت شعار ldquo;إسقاط النظامrdquo; كاملة وبكل تفاصيلها، لم يستوعب الدروس السابقة لتجارب تونس ومصر وليبيا، وهي أن الحلول الوسط كانت ممكنة لولا تعنت رأس النظام وقناعته بأنه ldquo;استثناءrdquo; عن غيره . الرئيس السوري ما زال على إصراره بأن يمضي في مشوار الأزمة حتى نهايته، فهو، وفي أول مقابلة له مع صحفي غربي من صحيفة ldquo;صنداي تلغرافrdquo; البريطانية قال إن الدول الغربية ldquo;ستزيد من ضغوطها تدريجياً، بكل تأكيد، لكن سوريا تختلف في كل ناحية من النواحي عن مصر وتونس واليمن، فالتاريخ مختلف، والسياسة كذلكrdquo; .
الموقف الثاني هو الوعي بأن النظام في سوريا لن يكون قادراً على التصدي لأي تدخل خارجي، وأنه يعي حجم الخطر، لكنه غير عازم على التوصل إلى حل وسط سياسي للأزمة ولا يجد ما يراهن به لإفشال التدخل الخارجي غير ldquo;الردع المعنويrdquo; للغرب وللقوى الإقليمية، لذلك نجده يركز في حديثه الصحفي المشار إليه على تحذير الجميع (الغرب والعرب)، من أن ldquo;سوريا هي مركز هذه المنطقة، وهي الصدع . ما إن يعبث بالأرض حتى يحدث زلزالاًrdquo;، وهنا يصل إلى قمة التحذير للجميع بقوله: ldquo;هل تريد أن ترى أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستانrdquo; . الرئيس الآن يقول ذلك وهو يعرف، قبل غيره، أنه لا يوجد وجه للشبه بين سوريا وأفغانستان، لكنه يوضح ذلك بأن ldquo;أي مشكلة تطرأ في سوريا ستحرق المنطقة برمتها، وإذا كانت الخطة هي تقسيم سوريا، فإن ذلك يعني تقسيم المنطقة كلهاrdquo; .
أما الموقف الثالث فهو عدم تنفيذ المبادرة العربية رغم الموافقة عليها لحل الأزمة، إما من منطلق التشكيك في نوايا الدول العربية المتحمسة لتلك المبادرة، وإما امتداداً لقناعته بالموقف الأول الخاص بأن سوريا ستكون ldquo;استثناءrdquo;، وأنه ldquo;لا حل إلا الحل الذي يريده النظام وبإرادته الكاملة من دون أي وصاية أو تدخل من الخارجrdquo;، والأهم القناعة بأن النظام قادر على إملاء شروطه وفرض الحل الذي يريده .
ففي اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية بمقر الجامعة العربية يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت لإيجاد حل عربي للأزمة السورية يرتكز على قاعدة جمع النظام السوري والمعارضة على طاولة الحوار تحت قبة جامعة الدول العربية، تقرر تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم وعضوية كل من مصر والسودان والجزائر وسلطنة عمان تقوم مهمتها حسب توضيحات الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي على إجراء الاتصالات والمشاورات مع القيادة السورية وأطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج بجميع أطيافها، للبدء في عقد مؤتمر لحوار وطني شامل بمقر جامعة الدول العربية، يفضي إلى وقف للعنف وإراقة الدماء، وإلى تنفيذ الإصلاحات السياسية التي تلبي طموحات الشعب السوري، على أساس المبادرة العربية الخاصة بسوريا التي تم الاتفاق عليها مؤخراً ووافقت عليها دمشق، وهي المبادرة التي تضمنت حلاً وسطاً بين موقفي النظام والمعارضة من خلال الدعوة إلى إصلاحات وإجراءات تبدأ بوقف العنف وسحب الجيش وقوات الأمن من الشوارع والإفراج عن المعتقلين من ناحية، والإقرار ببقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه حتى نهاية ولايته عام 2014 مع الدعوة لمفاوضات بين الحكم والمعارضة للاتفاق على أجندة الإصلاح المطلوبة .
إن الفشل يتهدد التحرك العربي ضمن رهانات سورية خاطئة على استحالة التدخل العسكري الذي قد يتحول بفعل هذه الرهانات الخاطئة إلى خيار وحيد .
التعليقات