الفنانون العرب ... «روابط مشجعين» للأنظمة المتهاوية أو معارضيها

laquo;الربيع العربيraquo; حلّ عليهم laquo;خريفاًraquo;

بيروت ـ طارق ضاهر

لم يكن الفن يوماً منعزلاً عن محيطه السياسي وارتبط دائماً بالتطورات والأحداث التي شهدتها الدول. واذا كان الفن رسالة كما يقال، فان مضمون تلك الرسالة اختلف باختلاف الظروف السياسية التي شهدها عالمنا العربي من المحيط الى الخليج، وخصوصاً في زمن حركات التحرر العربي من الاحتلالات والانتدابات، مروراً بالثورات laquo;غير الشعبيةraquo; التي واكبت الصراع العربي -الإسرائيلي. وفي هذا السياق، غنت laquo;كوكب الشرقraquo; أم كلثوم لملك مصر والسودان، ثم غنت للجيش المصري المحاصر في الفالوجا ابان حرب فلسطين، قبل أن تغني لثورة laquo;الضباط الأحرارraquo;، ومثلها فعل العندليب الراحل عبد الحليم حافظ واخرون.
في تلك المرحلة، كان خلط الأوراق يتم بيد عسكرية او سياسية، وكان انتاج الفنانين مرآة للتغيير الحاصل. إلا أن ما تشهده الساحة العربية اليوم يختلف بكل المعايير عن الماضي، فالشعوب هي من يقود ثوراتها حالياً، وبما أن الفنانين جزء من هذا الشعب فكان عليهم أن يحددوا مواقفهم مما يحصل.
فجأة، وجد الفنانون في دول الانتفاضات الشعبية أنفسهم في موقف laquo;لا يحسدون عليهraquo;. أكثر من ذلك، أصابت رياح التغيير من laquo;لا ناقة لهم فيها ولا جملraquo;، أي الفنانين غير المعنيين بما يحدث في غير بلدانهم، وذلك تحت شعار laquo;الحفاظ على مصالحهمraquo;. وهكذا، طفت على السطح مواقف بيضاء وسوداء من الاحداث من دون أن يغيب اللون الرمادي. ورافق ذلك إصدار لوائح منحت الفنانين laquo;شرفraquo; تاييد المعارضة والصقت بهم laquo;عارraquo; الوقوف الى جانب الانظمة، حتى تحولوا أعضاء في laquo;روابط مشجعينraquo; تحاكي تلك التي تتابع مباراة كرة قدم وتراهن على فوز فريقها المفضل.

التجربة التونسية
في تونس مثلاً، البلد العربي الذي اطلق laquo;ضربة البدايةraquo; عبر laquo;ثورة الياسمينraquo;، رأينا الفنان لطفي بوشناق يسارع إلى العمل على ألبوم غنائي مخصص للثورات العربية معتبراً أن laquo;الأنظمة البائدة تتشابه كثيراً، وكثير من مؤيدي تلك الأنظمة سواء من المثقفين أو الفنانين ليسوا إلا طفيليات، خصوصاً من انقلب منهمraquo;. إلا أن موقفه هذا لم يجعله في مأمن من غضب الشارع الذي طالب باستبعاده عن حفل افتتاح laquo;مهرجان قرطاجraquo; بعدما كان ناشد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الترشح للرئاسة في العام 2010. والأمر نفسه حصل مع الفنانة لطيفة التي بررت غناءها لبن علي بالقول: laquo;غنّيت له، والجميع كان يغني له وقتهاraquo;، لافتة إلى أن علاقتها كانت سيئة بليلى الطرابلسي زوجة بن علي التي حرمتها الظهور على التلفزيون التونسي عاماً ونصف عام بسبب اعتذارها عن عدم تقديم إحدى الحفلات. أما الممثلة هند صبري، فقد رفض الجمهور التونسي مشاركتها في فيلم يحكي قصة محمد البو عزيزي الذي كان سبباً رئيسياً فى اندلاع الثورة التونسية، وذلك بسبب laquo;انحيازها وولائها للرئيس التونسي السابق وموافقتها على مدّ فترة حكمه لولاية سادسةraquo;. وقد حاولت صبري أن تبرّر موقفها في صفحتها على laquo;الفيسبوكraquo;، عازية اياه الى laquo;خوفها من بطش السلطات وظلمهاraquo;.

laquo;ميزانraquo; مصر
أما في أرض النيل، فبدا المشهد أكثر انقساماً بين الفنانين مع وقوف بعضهم على الحياد في انتظار ركوب laquo;الموجة الرابحةraquo;. ففي حين حسم كثيرون موقفهم من الثورة ونزلوا مع المتظاهرين إلى الشارع ومنهم المخرج خالد يوسف والممثلون عمرو واكد، خالد أبو النجا، أحمد حلمي، منى زكي، خالد صالح، خالد النبوي وغيرهم، لكن فاجأ laquo;الزعيمraquo; عادل إمام جمهوره بموقفه القاسي من التظاهرات مستخدماً عبارات نابية ضد المنتفضين رغم عدم سرية علاقته الوطيدة بالحزب الحاكم والرئيس السابق حسني مبارك، قبل أن يعود وينفي ما نُسب إليه مؤكداً انه كان مخدوعاً. وكذلك تراجعت الممثلة سماح أنور عن كلامها الذي دعت فيه إلى حرق المتظاهرين في ميدان التحرير، بعكس الممثل طلعت زكريا الذي استمر في تأييده لمبارك حتى بعد تنحيه. أما الفنان تامر حسني فنال نصيبه من الضرب حين قرر النزول إلى الشارع في الأيام الأخيرة من الثورة، واتُهم وقتها بأنه اعتمد سياسة كسب الوقت لحسم موقفه، ولم يسلم عمرو دياب من الانتقادات أيضاً.

أصالة الوحيدة
وفي سورية حيث الأحداث تتوالى، سارع كثير من الفنانين الى الاصطفاف بجانب النظام، بينما غردت أصالة نصري خارج السرب، وأعلنت من مصر، حيث تقيم مع زوجها المخرج طارق العريان، موقفها الداعم لـ laquo;ثوار سوريةraquo;، رافضة السفر إلى بلادها للمشاركة مع زملائها في laquo;تمثيلياتraquo; دعم النظام. انها اصالة نفسها التي غنّت للرئيس الراحل حافظ الأسد أغنية laquo;حماك الله يا أسدraquo; ثم laquo;زادك اللهraquo;. ولم تبدل موقفها بعد تسلّم الرئيس بشار الأسد السلطة، فغنّت laquo;الأمل الواعدraquo; التي تضمنت تمجيداً للرئيس السوري.

laquo;ورطةraquo; لبنانية
نصل الى الفنانين اللبنانيين الذين لم يكتفوا بمشاهدة laquo;المبارياتraquo; الثورية بل ورّطوا أنفسهم أو وُرِّطوا في تشجيع احد فرقها. وعليه، تبنى عدد منهم مواقف من الأحداث داخل سورية، فوصف الفنان ملحم بركات الرئيس السوري بانه laquo;قبضايraquo; متمنياً بقاءه في الحكم. واضطر الفنان الكبير وديع الصافي الى عقد مؤتمر صحافي مع الفنان معين شريف لتبرير ظهورهما في برنامج laquo;صولاraquo; الذي تقدمه الفنانة أصالة، مؤكدين عدم علمهما المسبق بموقفها مما يجري في سورية. وحرص الصافي في المؤتمر على اعلان دعمه للرئيس السوري، مؤكداً أنه على استعداد لإهدائه نظره في حال طلب منه، وذلك وفاء لـ laquo;انسانيتهraquo; الكبيرة. وبعد... لم يعد الغناء كافياً ليعبر الفنانون عن موقفهم في أيامنا هذه، فقد جعلتهم الظروف السياسية اعضاء في laquo;روابط مشجعينraquo; ... للانظمة او معارضيها.