جاسر عبدالعزيز الجاسر
في السنوات الأولى لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كانت مواعيد عقد مؤتمرات قمة المجلس، مناسبات احتفالية تشمل كل أبناء الخليج العربي في دوله الست، وكان ذلك مبرراً ومطلوباً إلى حد كبير لترسيخ الفكرة وتعميق الانتماء لدى أبناء الإقليم وصهرهم في بوتقة المواطنة الخليجية.
كانت مظاهر الاحتفاء تشمل كل الجوانب الثقافية والفنية والإعلامية، تقام الاحتفالات وتقدم الأوبريتات والأغاني والعرضات والمهرجانات في عاصمة البلد الذي يستضيف القمة، استمرت مرحلة الاحتفاء باستمرارية لقاءات القمة، ومع تجذر الفكرة واكتساب مقومات ركائز جديدة عززت الهدف، أصبح مجلس التعاون لدول الخليج العربي حقيقة ثابتة وكياناً يحتذى به، وتتمنى الكثير من الكيانات والتجمعات الإقليمية عمل منظمات إقليمية شبيهة به، أو على الأقل الانضواء تحت لوائه، وهو ما عظم دور المجلس وجعله يمضي قدماً في تحقيق أهدافه.
مرحلة الاحتفاء لتعزيز الاستمرار مرت بحلوها وقوّت الثقة لدى أهل الخليج بصواب عملهم، لتتبعها مرحلة غرس الأهداف التي تمثلت في إطلاق العديد من المشاريع التي تؤسس لبناء مواطنة خليجية موحدة ضمن كيان موحد تحتفظ كل دولة بخصائصها، وبما أن ربط مصالح المواطنين وتوسيع دائرة التعاون المشترك بين دول المجلس هو الأساس الذي يجعل جميع أهل الخليج مشاركين في تقوية بناء الكيان الجديد، فقد توالت إقامة مشاريع التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية والعلمية والتعليمية.
مرحلة ترسيخ البناء من خلال العمل المشترك التي تبعت مرحلة التأسيس، لا بد أن يتبعها توسيع دائرة الانصهار بالتوجه إلى إلغاء قيود الاندماج وإزالة عوائق الاتصال والالتقاء، فبدأ في اعتماد البطاقة الوطنية للتنقل بين دول المجلس والعمل على صنع سوق خليجية مشتركة حقيقية تعطي الأفضلية للمنتج الخليجي وتوطين الوظائف الخليجية وجعل الأفضلية للمواطن الخليجي ومعاملته معاملة المواطن وإطلاق العملة الخليجية الموحدة، لصنع اقتصاد خليجي موحد حقيقي يؤخذ في اعتباره تكامل الصناعات والخدمات وتجويد المنتج الخليجي لجعله منافساً للمنتجات الأخرى سواء في السوق المحلية أو في الأسواق الدولية، وهذا سيساعد على بناء موقف موحد لمواجهة التكتلات الإقليمية والدولية الأخرى.
باختصار بعد مرحلتي ترسيخ البناء ومرحلة التأسيس وغرس المشاريع نصل إلى مرحلة جني الثمار التي تتمثل في إقامة كيان موحد يعزز حضور الإقليم سياسياً واقتصادياً لتعزيز المكاسب الحياتية والأوضاع المعيشية التي يحياها المواطن الخليجي في ظل استقرار دائم وأمن مستتب، وهو ما يتطلب تعاوناً صادقاً لمنع القوى الإقليمية الطامعة في التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما يفرض الاهتمام ببناء قوة دفاعية فاعلة وجهاز أمني موحد قادر على التصدي لكل الأطماع الخارجية.
التعليقات