لندن

لم يكن مفاجئا تبني تنظيم 'القاعدة فرع العراق' تفجيرات بغداد الدموية، التي وقعت يوم الخميس الماضي واسفرت عن مقتل سبعين شخصا، نسبة كبيرة منهم من رجال الامن. فالمناخ مهيأ حاليا للتنظيم لاعادة تنظيم صفوفه وتجميع قواه لمواصلة هجماته على أمل تفجير حرب اهلية طائفية في البلاد.
البيان الذي صدر عن التنظيم وصف هذه الهجمات (14 تفجيرا) بانها 'غزوة الخميس' في محاكاة لغزوتي 'واشنطن ونيويورك' عام 2001، وقال ان العمليات هذه تأتي استئنافا لسلسلة هجمات نوعية تستهدف المقار الامنية والدوريات العسكرية وتصفية 'رؤوس الكفر من القيادات الامنية لولاية بغداد'.
وعندما نقول بان الظروف مهيأة الآن لعودة تنظيم 'القاعدة' الى العراق فالمقصود هنا هو فشل النخبة السياسية العراقية في التعايش واقامة دولة مدنية وحكم رشيد، وتحسين مستوى معيشة المواطن وتوفير كل الخدمات الضرورية له.
فالقاء نظرة سريعة على المشهد السياسي العراقي نجد انه في حالة من السوء لا يمكن تصورها منذ ان انبثقت العملية السياسية الحالية من رحم الاحتلال الامريكي. فالبرلمان العراقي لا يجتمع الا نادرا، والحكومة لا تعبأ به، ولا تخضع لمحاسبته، والسلطات في معظمها مركزة في يد رئيس الوزراء نوري المالكي والمجموعة المحيطة به.
الخطأ الاكبر الذي ارتكبه السيد المالكي هو تهميشه للتيارات الليبرالية والعلمانية، ومعظم ابناء الطائفة السنية على وجه الخصوص، وسعيه لاغتيال قادتها سياسيا وجسديا، فالسيد طارق الهاشمي نائب الرئيس هرب الى كردستان العراق ولجأ الى حماية جلال الطالباني، وصالح المطلك نائب رئيس الحكومة مهدد بالطرد وسحب الاعتراف به من السيد المالكي، اما الدكتور اياد علاوي رئيس كتلة 'العراقية' التي فازت باكثر المقاعد في الانتخابات الاخيرة، ومنعت من تشكيل الحكومة بتواطؤ امريكي، فقد وصف السيد المالكي بانه يتصرف مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ان لم يكن اسوأ بكثير.
العراق يزحف بقوة نحو حرب اهلية طائفية قد تؤدي الى التقسيم والتفتيت لترابه الوطني، وانهاء الهوية الوطنية الجامعة والموحدة. وتنظيم 'القاعدة' يحاول استغلال طائفية الحكومة وممارساتها من اجل اعادة البلاد الى مرحلة التفجيرات وعدم الاستقرار التي عاشتها حتى عام 2006.
بيانات التنظيم توحي بالثقة، والعداء تجاهه في اوساط ابناء الطائفة السنية تراجع، وهذا امر مفهوم في ظل تخلي حكومة المالكي عن اكثر من 80 الفا من قوات الصحوات التي شكلتها الولايات المتحدة ومولتها لمحاربة تنظيم 'القاعدة'، ورفض كل النصائح والضغوط الامريكية لاستيعابهم في قوات الامن او الجيش. ومن المؤكد ان نسبة كبيرة من هؤلاء عادوا الى صفوف التنظيم من جديد احباطا ويأسا، ورغبة في الثأر والانتقام من الذين همشوهم ورفضوا الاعتراف بهم كعراقيين اولا وكأناس قدموا خدمات كبيرة للحكومة والبلد في القضاء على معظم تواجد 'القاعدة' في المناطق السنية حسب رأيهم.
بديل الاحتلال الامريكي للعراق الذي انتهى رسميا مع نهاية هذا العام هو الحرب الاهلية الطائفية، ولن يكون مستغربا اذا ما جاء العام الجديد في العراق اكثر دموية من جميع الاعوام التسعة السابقة من عمر الاحتلال الامريكي، وتغيير النظام فيه.