عبدالرزاق الصافي

لم تكن التعليقات والدراسات بشأن الانتفاضة التونسية،التي فاجأت الجميع، لتتوقف حتى حدثت الهبة المصرية. ولئن كانت شرارة الانتفاضة التونسية حرق خريج الجامعة الشاب بوعزيزي نفسه احتجاجاً على الظلم الذي انزله به الشرطي ومصادرة عربة الخضار التي يرتزق منها، وما جرى بعد ذلك من اتساع الاحتجاج ليشمل النظام كله الذي سبب البؤس للشبيبة التونسية، ومن بينها 140 الف خريج جامعي عاطل عن العمل، كما اعترف بذلك رئيس الوزراء محمد الغنوشي، في اول ظهور له في اعقاب الانتفاضة وهرب رأس النظام، فإن الهبة المصرية اندلعت منذ بدايتها للمطالبة بالحريات العامة والتغيير.
ولم تتوقف تداعيات الانتفاضة التونسية على ما جرى في مصر، بل شملت بلداناً عربية اخرى مثل الاردن واليمن، وان لم تبلغ ما بلغته في تونس ومصر.
إن استئثار الحدثين الكبيرين في تونس ومصر، وما تبعهما من احداث في الاردن واليمن باهتمام المعلقين والمتابعين للاحداث في البلدين الشقيقين ينبغي ان لا يهمل واقع عامل مهم آخر لم يجر تسليط الضوء عليه بما فيه الكفاية، على ما اعتقد. وذلك هو اتساع البطالة وارتفاع الاسعار، وخصوصاً المواد الغذائية. وما يشكله ذلك من أخطار على عموم البلدان العربية، بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال.
فمن المعروف ان البلدان العربية تستورد اكثر من نصف حاجاتها الغذائية، الامر الذي يجعلها المستورد الاكبر للحبوب في العالم، والذي يستنزف عشرات مليارات الدولارات من دخلها الوطني سنوياً. كان يمكن ان توظف لإنهاض القطاع الزراعي الذي يشكو التدهور في غالبية البلدان العربية، لسد حاجة السكان من الغذاء.
ومما يضاعف الجوانب السلبية في هذا هو الأخطار الديموغرافية المتعلقة بزيادة السكان بنسبة مرتفعة نسبياً عن المعدل العالمي. إذ تبلغ ،كمعدل، في العالم العربي 2،3% سنوياً laquo;النسبة في العراق تزيد عن 3%raquo;، الامر الذي يقلق الخبراء المعنيين بأوضاع هذه البلدان وأمنها الغذائي المهدد بالخطر. فلم يكن سكان العراق في بداية القرن الماضي ليزيدوا عن المليونين إلا قليلاً. وكان سكان مصر في حدود عشرين مليونا، بينما يبلغ عددالسكان الآن في العراق ثلاثين مليونا وفي مصر نحو ثمانين مليونا. ويتوقع خبراء الامم المتحدة ان يزداد عدد المصريين في عام 2015 الى ما يزيد عن المئة وعشرين مليونا! وكذلك هو حال سائر البلدان العربية حيث نسبة نمو السكان مرتفعة، كما هو معروف، من دون ان يلحظ المراقب اي جهد جاد لمعالجة الخطر الناجم عن ذلك، في مستقبل غير بعيد.
ان مشكلة الاقتصادات العربية تكمن في اعتمادها على النفط سواء كانت منتجة له او مستفيدة من استثمارات البترودولار. فالنفط ثروة ناضبة، فضلاً عن الاخطار التي تتهدده بالعثور على مصدر للطاقة ارخص فيكون حاله حال الفحم المطمور في باطن الارض ولا يجد من يستخرجه لأن كلفة استخراجه اكثر من النفط بكثير.
فمتى ينتبه من بيدهم الامور من الحكام العرب للاهتمام بهذا الامر ليضعوا الخطط لتجنب الاخطار المرتقبة للقضاء على البطالة وخصوصاً بين الشباب وتوفير الامن الغذائي لمواطنيهم، بدل انشغال غالبيتهم باتخاذ الاجراءات لحماية كراسي حكمهم بتوسيع اجهزة القمع التي تلاحق المواطنين وتحصي انفاسهم وتحمي الاستبداد والفساد الذي يشمل غالبية البلدان العربية مع الأسف الشديد.