يوسف الكويليت

متى نكون أمة بلا طوائف وقوميات وزعامات تقرر ما تريد، تفكر عنا وتأمرنا وتفرض تشريعاتها وقوانينها، معتبرة أنها الحكيم العادل، ونظل ،كأفراد وجماعات، لعبة تقرر مصيرنا وعيشنا؟!

لم تنجح الانقلابات التي وضعت نفسها في تيار العمل الثوري ليس في الشعارات فحسب، بل بالمنجز الحضاري الشامل، كما لم تحصل الحكومات الشمولية على إجازة مشروع تاريخي يعبُر بنا من الجهالة والأمية إلى طاقات توظف كل العناصر في بؤر العمل والعطاء..

الحركات الإسلامية المتمثلة في الإخوان المسلمين في مصر، هي بداية التنظيم الشعبي في وجه الاستعمار البريطاني ثم مسانداً لانقلاب ١٩٥٢م، غير أن العواصف بدأت مع دخول الجماعة الصراعات السياسية فكان الانقسام ثم السجون، وبعدها جاءت الأحزاب: الشيوعية والبعث والقوميون العرب والناصريون، وهم من قادوا الحروب بينهم، لأن لكل زعامة حزبية أطماعاً في السلطة والنفوذ، فافترق الجميع، وتحولت الأمة العربية إلى أجنحة كل فريق يدّعي امتلاكه الحقيقة المطلقة، لكن الحروب والفشل في قيادة الشعب، والتسلط التي جاءت بالهزائم العسكرية، أفرغت تلك الأحزاب من مضامينها، فجاءت الردة معاكسة تنظيمات إسلامية متطرفة أرادت ملء الفراغ في طول الشارع العربي والإسلامي، لكنها عاكست تقديراتها، فجاءت بحروب سياسية مع العالم كله..

ولأن الإسلام عقيدة كبيرة وبديل موضوعي للعودة للجذور، إلا أن التفسيرات المتعارضة لإدارة الشعوب، جاءت لتعادي الأديان وتضيّق على الشعوب وتطرح مفهوم الحاكمية، وفي ظلها ولدت القاعدة وطالبان وتوابع أخرى لحركات اعتبرت العنف وسيلة الخلاص..

في العالم الثالث الزعماء وحدهم هُم قوة الدفع، ولأن تداول السلطة بالاقتراع الحر طريقٌ مغلق، فإن النهايات كانت بائسة، انقلابات وانقلابات مضادة، ومنافي للزعماء وأتباعهم، ومجازر وإعدامات بأسماء التطهير للفاسدين، بينما القادم أسوأ، ولأن الظروف هي التي تخلق القيادات الفاسدة، فقد ظل العسكر نموذجاً للكوارث، ومع خيبات الأمل، كان لمضامين الوعي التي هبّت من كل الجهات العالمية من خلال التواصل السريع، والحصول على المعلومة من خلال فضاء مفتوح أنْ أحدثت الثورات الشعبية العربية لتخلق نموذجاً آخر يتماشى مع الحريات والديموقراطيات العالمية، وقد كانت البداية صفعة امرأة تونسية لبائع خضار فكانت عود الكبريت الذي أشعل تونس ثم زحف على مصر، وقد يمتد الحريق إلى أكثر من بلد ما لم تتحقق المطالب الوطنية ويسود العدل والحرية..