عبدالله بن بخيت

كل من يحمل أيديولوجيا يشعر بالقمع. يتهم الحكومات بتكميم الأفواه. يريد للجماهير أن تعبر عن رغباتها. يرى أن أيديولوجيته هي الأيديولوجيا التي تطلبها الجماهير. الشارع العربي يريد حكم رجال الدين وقيادة علمائنا الأفاضل. عشنا سنوات طويلة نسمع من يضع هذه مطالب الشعوب الإسلامية. حرمتنا الحكومات الدكتاتورية هذه النعمة العظيمة. منعت الدكتاتوريات الشارع من أن يعبر عن نفسه ويفصح عن مطالبه. ها نحن أمام هذا الشارع. نسمع صوته بوضوح دون فرض من أحد. يستطيع كل من يهتم بالشأن العام أن يسجل في مذكراته قائمة بالمطالب التي نادى بها الناس. يتفحص الكلام المكتوب على رقائق الأوراق وقطع الكراتين المرفوعة. يتابع التحليلات والكلام المحتشد في الفضائيات. لحظة تاريخية نعرف من خلالها نبض الشارع كما نحب أن نقول. هاهو نبض الشارع أمامنا عارٍ من كل أمر أو سلطة أو توجيه. عندما تساءلت في إحدى مقالاتي السابقة عن اختفاء المطالب الدينية في المظاهرات التونسية. كانت الحجة أن تونس كانت تعيش قمعا أدى إلى تشريد واختفاء القيادات الإسلامية. يقدر الله أن تنتقل عدوى المطالب من الشارع التونسي إلى الشارع المصري. البلد الذي انطلقت كل الحركات الإسلامية منه. مهد الإسلام المسيس. منبع الدعاة. لماذا اختفى شيوخ الدين من الشارع اليوم بعد أن كانوا بالأمس القريب يملؤونه بخطبهم ومواعظهم. القليل الذي ظهر منهم وتحدث مع الجماهير، لم يرد على لسانه ما يدل على أنه رجل دين. كأي سياسي آخر صار يتحدث عن حقوق الناس وحرية الناس والدكتاتورية والبطالة. لم يشر من بعيد أو قريب لأطروحاته عن الشريعة أو (الإسلام هو الحل) كما ينادي الإخوان. خرج النساء والرجال إلى الميادين. لم نسمع أحدا استنكر هذا الاختلاط. لم تقسم المظاهرات نفسها. قسم للرجال وقسم للنساء. لم نسمع من يقول عايزين شيوخنا الأفاضل يقودوننا.

نتحدث باستمرار عن الأكثرية الصامتة. هذه هي الاكثرية الصامتة تنطق مطالبها بلسانها دون وسيط. لم يطالب أحد تعديل الدستور بما يتفق مع فكرهم حول الشريعة. لم يأت أي منهم على سيرة الشريعة أصلا. لماذا اختفت كلمة الشريعة,المطلب الرئيسي, من أفواه الجماهير. تابعت في نفس الوقت مواقع الإنترنت المتأسلمة. لماذا تغيرت الصيغ واللهجات والمطالب. على مدى ثلاثين سنة لم نسمع منهم من ينادي بحقوق الإنسان والعيش الكريم ورفع مستوى المعيشة ومحاربة الفساد ومكافحة الفقر. انحصرت المطالب في الحجاب وقرار المرأة في بيتها وتطبيق الشريعة. ما السر الذي جعل دعاة تطبيق الشريعة يركبون موجة الديمقراطية.

أمامنا حقيقة واحدة تعبر عن نفسها بوضوح واستقامة. الناس تريد أن تعيش في الدنيا في العصر الحديث بكل شروطه لا في أي عصر آخر. مطالب الشعوب الإسلامية هي نفس مطالب شعوب العالم دون أدنى اختلاف. الدين هو الإيمان والإيمان في القلوب, لا على كراسي الحكم أو تحت عباءات النساء.