عبدالله العوضي


إذا كان القانون يمثل إحدى أدوات الضبط الاجتماعي في أي مجتمع، فإن الدين هو الدافع الأقوى للضبط مع قيام نصوص القانون ولوائحه التفسيرية ومواده المنظمة لدفة حياة الأفراد في المجتمعات الإنسانية.

مع تعدد أدوات الضبط الاجتماعي من الدين والقانون والعادات والأعراف، وحتى بعض المعتقدات التي لا زالت تفعل فعلها في نفوس بعض البشر، نجد في المجتمعات من لا يردعه شيء إذا أراد أن يكسر كل تلك الأدوات، فهنا يتدخل القانون بالمزيد من التشديد لإجراءاته ومراجعة نصوصه القابلة للاستدراك، كلما استجد أمر، وكل ذلك من أجل تقوية quot;الضبط الاجتماعي باستخدام كل الأدوات المتاحة أو ابتداعها لتقلب الزمان في المكان.

فإذا تناولنا quot;الدينquot; كأهم أداة لهذا الضبط مقارنة بالأدوات الأخرى، فإن طريقة تعامل الناس مع تعاليمه ومبادئه تهذيباً وترغيباً هي الفصل والحكم.

فالدين هنا لا يجب أن يتحول الى أداة للحكم على الناس، وكأنه نصب محكمة قانونية خاصة لإصدار أحكام الإدانة على كل من يجاورها.

فوظيفة الدين ليس مقاضاة الناس على سكناتهم وعد أنفاسهم وما تتفوه به ألسنتهم، أو حتى تصرفاتهم التي قد تكون خارجة على كل أدوات الضبط الاجتماعي، لأن ذلك في الواقع يحول الدين من أداة ضبط الى أداة إرباك قد يخل بالأمن الاجتماعي بدل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي الذي يعد جزءاً رصيناً وركناً من أركان الأمن العام في المجتمع.

فالبعض المُصر على تغيير مسار الدين الحقيقي ودوره المهم في أي مجتمع يضر بالدين أكثر مما يظن من الحرص عليه، لأن فيه شخصنة واعتداداً بالنفس وانفراداً في الفهم لا يمكن للمجتمع بشكل عام تحمله.

فالدين روح قبل أن يكون نصاً جامداً، ولأنه متحرك فلا يمكن أن يتجمد لأن فئة ما تريد ذلك من حيث تشعر أو لا، فحقيقة الدين تكمن في حفاظه على السير الآمن في طريق التنمية الشاملة لكل مجالات الحياة في المجتمع.

لا يتعلق الأمر بالدين الإسلامي فقط، فهو يشمل جميع الأديان، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الاحتكاك بأصحاب الديانات الأخرى.

يقول أحد معتنقي البوذية، التي يعد من مبادئها إرساء دعائم السلم الاجتماعي في المجتمع، وذلك عند ممارسة طقوس العبادة في المعابد الخاصة بها بأن هدف الذهاب إلى المعبد والاعتكاف فيه لمدة لا تقل عن أسبوع أحياناً هو تطهير للجسد والروح من أدران الحياة اليومية، ومن ثم العودة الى العمل من جديد لمواصلة فعل الطهارة والنقاء مع كل من نحتك به من واقع رتم الحياة الطبيعية.

وليس الهدف المقارنة بين الأديان بقدر إيصال الرسالة الحقيقية للأديان كلها إلى أناس يجعلون من الدين سهماً موجهاً لاختراق عقول وقلوب وأفكار الشباب للتغرير به وتوجيهه نحو التطرف والتشدد والغلو.

فالإسلام كدين أرفع مقاماً من ذلك، وأقدس شأناً من أي فكر يريد تجييره لصالح أغراض سياسية أو شخصية وأهواء دنيوية يراد من خلالها إغواء العامة من الجمهور العريض، لاقتناء أفكار بعيدة كل البعد عن الرشد والعقلانية التي يجب أن تسود كل تحركات المسلم العادي تجاه متطلبات دينه ومبادئه التي تعلو تماماً على أي مصلحة أخرى مهما كانت مهمة في نظر صاحبها.

فأي دين يخرج من إطار كونه أداة للضبط الاجتماعي الرشيد، بحاجة إلى وقفة أكثر رشداً وإدراكاً ووعياً فيما لو انفلت الأمر من عقاله، فهنا يحل الإرباك والاضطراب مكان السلم الاجتماعي الذي يرتكز عليه كل دين، وهو في الأصل الضابط للانحراف المعياري في المجتمع.