سعد محيو

ثمة منهزم كبير ومنتصر كبير في المنطقة العربية، بعد نجاح الثورة المصرية .

المنهزم هي النزعات الطائفية والمذهبية والعشائرية، التي كانت لها على مدار العقود الثلاثة الأخيرة اليد العليا في كل السياسات العامة العربية، والتي شكّلت الأساس التي أقامت عليها الحركة الصهيونية واليمينية الأمريكية صرح نظامها الشرق أوسطي التفتيتي .

هذه المنظومة ما قبل الوطنية والقومية أفلتت من عقالها العام ،1979 بعد أن تخلّت مصر عن دور الزعامة العربية لمصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; أولاً ثم لإيران وتركيا لاحقاً . وكان هذا بالنسبة إلى الأمة العربية بمثابة انفصال الرأس عن الجسد، لأن مصر ليست فقط أكبر وأهم دولة عربية بل أيضاً لأنها تكاد تكون المجتمع العربي الوحيد المتجانس اجتماعياً والمتوحّد سياسياً منذ 5 آلاف سنة، وهذا ما مكّنها من دون غيرها من البلدان العربية من أن تلعب دوراً متصلاً في الزعامة الإقليمية، فيما كان الدور الإقليمي للبلدان الرئيسة الأخرى (سوريا، العراق، السعودية) متقطعاً في أحسن الأحوال، وهامشياً في أسوئها .

والواقع أنه كان طبيعياً أن تقوم الفئات الطائفية والمذهبية بملء الفراغ حين انسحبت مصر من الساحة، بسبب ضعف النسيج الوطني في البلدان العربية الأخرى .

البداية كانت من لبنان العام ،1975 الذي انفجر طائفياً فور أن رفع الرئيس أنور السادات الغطاء المصري عنه في خضم مفاوضات السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;، وصرّح علناً آنذاك أن لبنان ldquo;سيغرق قريباً بشلالات من الدمrdquo; .

الآن، وبعد انتصار ثورة مصر، كل ذلك سيكون في مهب الريح . فمصر ستعود قريباً إلى دورها الإقليمي التقليدي في المنطقة . وهي هذه المرة ستفعل ذلك ليس بفعل ثقلها الاستراتيجي وحسب، بل بقوة نظامها السياسي الجديد الذي سيستند إلى كلٍ من ثورة المواطنة وسلطة الديمقراطية . وإذا ما سار كل شيء على مايرام في عملية الانتقال إلى الديمقراطية، فإن دور مصر الإقليمي الجديد كزعيمة للتحوّل نحو المواطنة والديمقراطية في الوطن العربي سيكون مطلوباً، وربما بإلحاح، أمريكياً ودولياً .

وحينها ستتحوّل التيارات الطائفية والمذهبية والقَبَلِية إلى خفافيش سرعان ما ستتبدد في كل البلدان العربية بلا استثناء، وستكون الضحية الأولى لثورة المواطنة الديمقراطية .

هذا عن المهزوم الأكبر .

أما المنتصر الأكبر فسيكون العروبة . أجل العروبة . لكن ليس أي عروبة، بل تلك الديمقراطية التي تحملها أكف المواطنين الشباب، والتي تتوازن فيها العواطف القومية مع المصالح الاقتصادية والاجتماعية .

لقد صالحت ثورتا تونس ومصر المواطنين العرب مع ذواتهم، فاكتشف الجزائريون المتظاهرون كم هم يُحبّون أشقاءهم المصريين على رغم كل ldquo;المذابح الكرويةrdquo; بينهم، وخرج الشبان التونسيون يطلبون الوحدة مع بقية العرب، وتحوّل الجمهور اليمني والأردني وبقية الشعوب إلى مجتمع واحد يلهج بجملة ثورية ديمقراطية موحّدة بقيادة ثورة مصر .

إنه حقاً فجر جديد يشرق على المنطقة العربية . ومع الفجر، لا مكان للخفافيش .