الثورة المصرية .. الهدم أسهل من البناء
عبدالله بن بجاد العتيبي
عكاظ السعودية
الهدم أسهل من البناء، هذه عبارة مشهورة، يتداولها الكثيرون في التعليق على الأحداث الصغيرة والكبيرة، وربما كانت هي أصدق الكلمات في توصيف ما يجري في مصر هذه الأيام، لقد أسقط الشعب الأعزل نظاما عتيا في ثورة بيضاء، أقله من قبل الشعب. ولكن ماذا بعد؟لقد كان الحدث أو الثورة مصرية من الأساس بمعنى أن الثيمة الأصلية لها كانت الشعب المصري وعلى طليعته الشباب الحالمون كما عبر وائل غنيم أكثر من مرة، والحالمون ذوو الخيال الواسع والطموحون والملولون وفقا لإيرك هوفر يشكلون وقود الثورات، وهؤلاء قادرون على الهدم ولكنهم للأسف أقل قدرة على البناء، هذا حديث التاريخ والواقع.
شاع كلام بأن مصر ستنتقل للعالم الأول بمجرد زوال النظام السابق، وكأن الشعب والثقافة والاقتصاد والفن ونحوها ليس لها أي دور في تشكيل هوية مصر فيما مضى، وأنها جميعا تنتمي للعالم المتحضر وإنما كان السد بينها وبينه هو النظام السابق، ومن هنا راق للبعض الحديث بأن مصر ستصبح بين عشية وضحاها بلدا أوروبيا متقدما بلا مظالم ولا استبداد ولا رشوة ولا محسوبية ولا بطالة ولا فساد، وهذا حديث لا يمت للواقع ولا للعقل بصلة.
في لحظات تاريخية فارقة ــ كما يجري في مصر ــ تطيش العقول، وتسود العاطفة التي من أماراتها انتشار الشائعات دون تحقق، وقيام سوق المزايدات كما يشاء المستغلون، وتغول المبالغات لتصبح حكما مسيطرا يتحرك في كل الاتجاهات، وهنا تجدر الإشارة لما ذكر إريك هوفر من أنه laquo;حتى أكثر الناس عقلانية يمكن أن يصبح عاطفيا أمام مشهد جماهيري حاشدraquo;!
الشائعات تعبر عن مزاج شعبي عام، والمزايدات تعبر عن رغبات مكبوتة للاستحواذ على أكبر قدر من المكاسب للشخص حين تكون الرغبات فردية، أو للحركة أو الحزب حين تكون الرغبات منظمة، أو للتيار حين تكون الرغبات مجملة، أما المبالغات فتتجلى في التصور للماضي والحاضر والمستقبل، ويمكن مراقبة هذه المبالغات في الحديث عن النظام السابق، وفي الكلام عن نقاء الثورة وصفائها، وفي تناول المستقبل.
هنيئا للثورة ما حققت، ولكن الامتحان أمامها عسير، فليس الهدم كالبناء، وليس الحلم كالواقع، وليس الطموح كالممكن، وقد حذر الكثيرون من سرقة الثورة وكل يغني على ليلاه، فليست ليلى أمريكا كليلى إيران ولا أغنية شباب التحرير كأغنية الإخوان.
سقوط quot;فزاعةquot; الإخوان
مصطفى عبد الرازق
الوفد
الانتماء إلى الإخوان شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها، غير أن الأمر الذي ينبغي التأكيد عليه هو ضرورة وقف التصنيفات التي يتطوع البعض بتقديمها لمحاولة وقف أي نقاش موضوعي حول العديد من quot;الأساطيرquot; التي جرى تكريسها على مدى ثلاثة عقود هي عمر النظام السابق الذي أطاحت به ثورة 25 يناير. ومن بين هذه الأساطير الحديث عن خطر الإخوان الهائل على النظام السياسي في مصر وعلى شعبها بل وعلى العالم أجمع. وهو الخطر الذي جاءت أحداث الثورة وتوابعها لتكشف زيفه وأنه لم يكن سوى quot;فزاعةquot; تستخدم لتثبيت أركان النظام وتقديمه باعتباره الوحيد الذي يمكن التعويل عليه للحفاظ على الاستقرار في مصر.
ومن المؤشرات العامة على محاولة الترويج لذلك الخطر ما أشارت إليه تقارير من أن عمر سليمان مدير المخابرات العامة حمل معه إلى واشنطن أوائل عام 2005 ملفا متخما لعرضه على الإدارة الأمريكية بما يمكن وصفه بحقيقة الإخوان يتضمن معلومات خطيرة بشأن ماضي وحاضر الجماعة. أما بشأن الحاضر القريب فقد حاول الرئيس مبارك في حديثه الأخير لشبكة quot;أيه بي سيquot; الأمريكية التلويح بخطر الإخوان وأنهم هم الذين سيستولون على الحكم حال رحيله. النغمة نفسها حرص مبارك على ترديدها في حوار أخير كذلك قبل سقوطه بيوم واحد مع بن أليعاز وزير الخارجية الإسرائيلي السابق.
غير أن تطورات الثورة كشفت زيف هذه الدعاوى على عدد من الأصعدة. فمن ناحية من الخطأ البالغ محاولة نسبة الثورة إلى الإخوان بل على العكس لقد راحت الجماعة تتحفظ على المشاركة فيها واعتبرت أن من يشارك فيها من أعضائها يفعل ذلك بصفته الشخصية. أي أن تغيير مصر لم يتم على يد الإخوان، وإن شاركت الجماعة بعد ذلك في مرحلة تالية. الأكثر من ذلك أن الجماعة شاركت كفصيل عادي في أحداث الثورة ولم تحظ بأي تميز أو تحاول أن تنسب لنفسها الفضل فيها.
من ناحية ثانية فقد وصلت الأمور بمصر خلال مرحلة من مراحل الثورة إلى ما يشبه الفوضي الأمر الذي خرج معه نائب الرئيس عمر سليمان يحذر من الانقلاب من أي جهة كانت في تلميح إلى الإخوان وقد كان المناخ مواتيا بالفعل لذلك لو أن الإخوان لديهم الرغبة والقدرة على ذلك، وهو التخوف الذي لم يتم.
من ناحية ثالثة .. وعلى العكس من العديد من المخاوف، بل وفي تطويق لهذه المخاوف راحت الجماعة تعلن عدم تقدمها بمرشح للرئاسة ما أشار إلى حرصها على النأي عما يمكن وصفه بصراع السلطة أو القفز عليها بغض النظر عن الأسباب التي دعت الجماعة إلى ذلك.
وقد وصل الأمر ببعض المصادر ndash; مجلة فورين بوليسي -إلى الإشارة إلى أن الإخوان، إلى جانب آخرين بينهم عائلة مبارك، من أكبر الخاسرين من الثورة حيث يقلص ذلك فرص صعودهم بفعل وجود قوى أخرى ستحتل جانبا من المشهد السياسي في مصر خلال المرحلة المقبلة.
وقد يكون على خلفية هذه الرؤية ماكان من قبول النظام قبل سقوطه إدراج الجماعة في عملية الحوار التي استهدفت البحث عن مخرج من الأزمة التي تواجهها مصر بسبب المظاهرات وتصاعد الغضب على عدم تنحي الرئيس ما خرج بتوصيف الجماعة من quot;المحظورةquot; الذي كانت تحلو لصحيفة حكومية إطلاقه على الجماعة إلى quot;غير المحظورةquot;!
على صعيد الخارج بدا أن الإدارة الأمريكية أدركت الوهم الذي جعلتها الإدارة المصرية تعيش فيه بشأن خطر الإخوان وهو ما انعكس في لهجة الرئيس أوباما وفي إشارة مصادر أمريكية عديدة إلى قبول الإخوان باعتبارهم أحد أطراف العملية السياسية في مصر ndash; هذا إذا نحينا جانبا الحديث عن اتصالات بين الإخوان والولايات المتحدة في مراحل مختلفة سواء خلال نظام مبارك أو قبله.
يجعلنا ذلك في دهشة مما يحاوله البعض من استهداف الإخوان بالهجوم على خلفية مواقفهم الأخيرة .. وأن نتساءل عما هو مطلوب منهم بالضبط. فلو حاول الإخوان تشكيل حزب للوصول الى السلطة اتهموا باستهداف مصادرة الحكم في مصر، ولو قرروا الابتعاد كان التساؤل والتشكيك في موقفهم. وإذا كانت المشكلة هي تكوين حزب فإنها لم تكن مشكلتهم وإنما مشكلة الدولة التي لم توافق على هذا المطلب بغض النظر عما يمكن أن نورده من تحفظات على مثل هذه الخطوة.
شئنا أم أبينا فإن الواقع يقول إن الإخوان أحد التيارات السياسية في الواقع المصري ويجب الأخذ في الاعتبار وجوده بغض النظر عن بعض المثالب التي تنتاب أداء الجماعة وهي كثيرة .. فعودتها إلى حظيرة العمل السياسي الشرعي قد يكون إثراء لهذا العمل والخروج بنشاط الجماعة من السر إلى العلن .. وقد يكون هذا التوقيت أفضل ما يكون باعتبار أننا على أعتاب مرحلة مختلفة لا ينبغي خلالها استبعاد أحد من لعب دور في بناء مصر الجديدة!