محمد الصياد

إذا كانت ldquo;إسرائيلrdquo; قد استطاعت كظم غيظها على ضياع الحالة التونسية ldquo;الصديقة لبيئتهاrdquo; الاستعمارية والإجرامية، وإن عبّرت مواربة، تلميحاً، وتصريحاً في بعض الأحيان، عن حسرتها على فقدان ldquo;امتيازاتrdquo; تلك الحالة العربية الشمال إفريقية . إذا كانت قد استطاعت فعل ذلك في الحالة التونسية، فإن ما جرى في مصر قد هزها هزاً عنيفاً من الأعماق، وأفقدها كل طاقة ممكنة لافتعال الكياسة الدبلوماسية والهدوء الظاهر، المضلل في آن .

فلقد تدرج الموقف ldquo;الإسرائيليrdquo; المتململ، النزق بطبعه، منذ بداية الأحداث في مصر، من تعبير المسؤولين الحكوميين ldquo;الإسرائيليينrdquo; عن ldquo;قلق ldquo;إسرائيلrdquo; مما يجري في مصرrdquo;، وrdquo;متابعة تطور الأحداث هناك أولاً بأولrdquo;، وصولاً إلى تحذير رئيس الحكومة نتنياهو من أن ldquo;التغيير في مصر سيؤدي إلى اضطراب الأوضاع في الشرق الأوسطrdquo;، ثم تصريح الرئيس ldquo;الإسرائيليrdquo; ldquo;العبقريrdquo; العجوز شيمون بيريز بأن ldquo;إسرائيلrdquo; تفضل الدكتاتوريات العربية على الديمقراطية التي يمكن أن تنطوي على عداء للحالة الاستعمارية ldquo;الإسرائيليةrdquo; .

فلا غرو والحال هذه، أن تكون ldquo;إسرائيلrdquo; المجرمة والمنحطة أخلاقياً، أكثر الدول قلقاً مما حدث في تونس، ومما يدور من أحداث في مصر . صحيح أن تكرار مشاهد صور حلفائها المرجفين من قادة العالم الرأسمالي الغربي وهم يعبرون بارتباك وتخبط وتضارب عن ldquo;قلقهم البالغrdquo; تجاه ما يجري في مصر، ربما أوحت كأن هؤلاء على أعتاب خسارة صفقة عمرهم، إذ لا تكاد تنقطع اتصالاتهم البينية واجتماعاتهم الماراثونية المكرسة لمناقشة آخر تطورات الأحداث الجارية في مصر، فضلاً عن مهاتفة المسؤولين في مصر وإرسال المندوبين إليها للاطلاع عن كثب على حقيقة الأوضاع، لكي يبنوا عليها مواقفهم ويحددوا مستوى الضغط أو شوط التنازلات الذي يمكن أن يذهبوا إليه .

وهذا أمر مفهوم في العلاقات الدولية، فما بالك بعلاقات دول رئيسة في النظام الدولي بدولة إقليمية مركزية في ثقل مصر وأهميتها العالمية، حتى وإن بدت بهذه المواقف ldquo;الراقصةrdquo; غير عابئة بحجم الحرج الذي أوقعت نفسها فيه، وحجم النفاق السياسي الذي تمارسه وافتضاح ازدواجية معاييرها في تعاطيها اللاإنساني واللاأخلاقي، قبل أن يكون لا ديمقراطي، مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان العالمية الواحدة الموحدة .

وتوخياً للدقة فإن هذه المواقف الغربية ldquo;الراقصةrdquo; يمنة ويسرى، ليست كلها نابعة من القلق على مصالح الغرب الاقتصادية ونفوذها السياسي في منطقة الشرق الأوسط، فهناك جزء لا يستهان به من ذلكم التذبذب مرده الخوف على ldquo;إسرائيلrdquo; والمصير المجهول الذي سينتظرها جراء تداعيات الحدث المصري الهائل، فضلاً عن ضغط المكالمات الهاتفية والرسائل التي انهمرت من ldquo;إسرائيلrdquo; على قادة المعسكر الرأسمالي في الغرب، مطالبة إياهم بممارسة نفوذهم لمنع حدوث ما لا تحمد عقباه بالنسبة لrdquo;إسرائيلrdquo; والحصول على ضمانات بأن لا يطال التغيير في مصر معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات في عام 1979 باسم مصر، ووقعها عن ldquo;إسرائيلrdquo; رئيس وزرائها الراحل مناحيم بيغن . فrdquo;إسرائيلrdquo; تريد أن تضمن، كما ضمنت من قبل أن لا يؤدي غياب الرئيس السادات إلى تغير في موقف مصر من ldquo;إسرائيلrdquo;، تريد أن تضمن أن لا تؤدي التغييرات الحادثة في مصر إلى تغير في ميزان القوى القائم في المنطقة .

لطالما تبجحت ldquo;إسرائيلrdquo; بديمقراطيتها، وداومت على ترويج نفسها في الإعلام الغربي، مخاطبة الرأي العام الأوروبي والأمريكي، واحة للديمقراطية تعيش وسط غابة من الاستبداد والأوتوقراطيات المنغلقة، اليوم انكشف هذا الزيف، حيث أظهرت مواقف قادة ldquo;إسرائيلrdquo; من تطورات الأحداث الجارية في المنطقة، وكشفت الجوهر الإقصائي والاستعلائي العنصري للدولة الصهيونية .

عضو الكنيست الحالي ووزير الحرب ldquo;الإسرائيليrdquo; الأسبق بنيامين بن أليعيزر من حزب العمل انتقد موقف الإدارة الأمريكية حيال الأحداث الجارية في مصر، ودعوتها المسؤولين المصريين لإحداث التغيير المطلوب، مضيفاً بأن الأمريكيين تسببوا بكارثة في الشرق الأوسط بسبب هذه المواقف غير المسؤولة على حد زعمه .

جورج سورس الملياردير اليهودي الأمريكي كتب في الrdquo;واشنطن بوستrdquo; يوم الرابع من فبراير/شباط الجاري ldquo;انه ليس من مصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; وجود أنظمة ديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ستكون حرة في خياراتها السياسيةrdquo;، وعلى هذا المنوال عزف غابي اشكنازي رئيس هيئة الأركان ldquo;الإسرائيليrdquo; السابق وعاموس جلعاد وحتى ماري لونغ مساعدة وزير الدفاع الأمريكي السابق .

يمكن القول إن التعاطي الغربي مع تطورات الأحداث في المنطقة، ينطلق من زاويتين اثنتين هما المصالح الاقتصادية، لا سيما النفطية منها، ومستقبل ldquo;إسرائيلrdquo; ووجودها، من دون أدنى اعتبار لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان التي شنف الغرب آذاننا بالحديث المجتر عنها .