أحمد الجارالله

يتوهم من لا يعرف النسيج الاجتماعي والسياسي لدول quot;مجلس التعاونquot; انه يمكن استنساخ ما جرى في كل من تونس ومصر في اي من دول الخليج, وهذا ما لا يمكن ان يحدث في الواقع لان هناك علاقة تعاقدية تأسست منذ مئات السنين بين الشعوب والحكام قوامها التواصل المستمر بينهما والتشاور الدائم, وهذه الخصوصية جعلت دول الخليجي كافة تاريخيا بمنأى عن كل ما شهده العالم العربي في العقود الماضية, وبخاصة منذ موجة الانقلابات التي بدأت في العام 1952 في مصر تحت شعارات ثورية ومرت على العديد من الدول العربية التي لا تزال تعيش تبعات ازمات تلك الانقلابات الى اليوم, بل ان مصر وتونس على موعد مع سنوات عجاف نتيجة الاحداث الاخيرة.
إن المقارنة بين دول منظومة quot;مجلس التعاونquot; والانظمة العربية الاخرى ظالمة لان الاولى تتحسس مطالب شعبها وتعمل على تحقيقها من دون شعارات ثورية ولا تنتظر إملاءات الخارج, وهي لم تعمل في يوم من الايام لمصلحة فئة دون اخرى بل ان الجميع في الوطن سواسية.
ربما يكون الامر التبس على بعض قصار النظر او المراهقين السياسيين في بعض دولنا فتوهموا انهم يستطيعون تغطية شمس الحقيقة بغربال الشعارات واستيراد ما جرى في تونس ومصر الينا تماشيا معquot;موضة الاحتجاجاتquot;, الا ان الواقع فضح هذا الزيف, واكثر الامثلة وضوحا على ذلك ما شهدته العاصمة البحرينية امس من تظاهرات تأييد للقيادة والتأكيد على الانتماء الوطني, و جمعت بين جناحي الشعب, من الشيعة والسنة, في مواجهة مجموعة رفعت شعارات لا تتناسب مع طبيعة المجتمع الذي ارتضى قيادة آل خليفة له منذ مئات السنين, والتف حولها في أصعب الظروف, وخصوصا عندما تطالب هذه القلة بسقوط النظام.
ان تلك التظاهرات كانت لإحباط محاولة جر البحرين والمنطقة الى مستنقع الفتن الذي تعمل عليه بعض الدوائر الاقليمية, أكانت احزابا مثل quot;حزب اللهquot; او دولا مثل ايران التي تحاول تصدير مشكلاتها الداخلية الى الخارج لإبعاد الانظار عما يجري فيها وفي الوقت ذاته توسيع رقعة سيطرتها عبر إضعاف دول الخليج, واستغلال بعض ضعاف النفوس وقصيري النظر.
إلا أنه يغيب عن بال هؤلاء, ان في البحرين ومنذ اربعين عاما تجري عملية اصلاح شاملة وقد أدت الى العديد من النتائج الايجابية التي جعلت من هذه الدولة الصغيرة واحدة من اكثر دول العالم العربي اهمية في مجالات عدة, وكانت ولا تزال المثال الحي على امكانية التطور الطبيعي للدول من دون حرق المراحل او التلطي خلف الشعارات, مع الاخذ بالظروف الاقليمية والدولية وتأثيرها في هذه الدولة او تلك, ما قد يؤدي احيانا الى تأجيل او تأخير انجاز بعض المشاريع, لكنه لا يلغي الاصرار على تحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي للوطن البحريني ومن فيه.
وما تحقق في السنوات العشر الماضية في البحرين بعد انطلاق مسيرة الديمقراطية التي سمحت للبعض في ان يعبر عن رأيه بصراحة, لم يكن متاحا تحقيقه لا في تونس او مصر وقتذاك, ولم ينتج هذا التوجه من ثورة او انتفاضات شعبية, وانما كان لإيمان القيادة البحرينية بالاخذ بمعطيات العصر ومواكبة الحركة العالمية بما يتناسب مع متطلبات المجتمع.
تخطىء ايران دائما في الحسابات في هذا الشأن, لان البحرين ليست بمفردها فهي عضو في quot;مجلس التعاونquot; الذي اجتمعت دوله على المصير الواحد والقرار الموحد, ولذلك فان لحمها مر لا يؤكل كما يتوهم نظام الملالي, ولن تترك اي من دوله ساحة للعبث, اكان مصدره ايران او اذنابها, او من يحاول ان يركب موجة الوهم, بل ان دول الخليجي التي لا تزال حتى اللحظة تعمل على انهاء الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية بالوسائل السلمية- بينما ايران تقابل ذلك بالتصعيد والتهديد والوعيد - تدرك تماما قدرتها على إحباط اي مخطط لزعزعة الامن في اي منها, لكن ما لم تدركه ايران انها تحفر بسياستها قبر نظام الملالي الذي يبدو انه شارف على الوفاة.
من المؤكد ان ما جرى في دوار اللؤلؤة في المنامة سيكون درسا لمن يتوهمون انهم يستطيعون تعكير صفو العلاقة بين الحكام وشعوبهم في دول الخليج العربي, وهو درس لن يكون بالعقاب لتلك الفئة القليلة, بل بالاخذ بيد من حاد عن طريق الصواب واعادته الى الصواب الوطني, وبالحوار البناء, لان ما بدأته البحرين من اصلاح لن يتوقف تحت اي ظرف من الظروف ولن يكون خاضعا للابتزاز, فملك البحرين لم يأت الى الحكم على ظهر دبابة ولا بثورة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب, بل هو حاكم ارتضاه الشعب وبايعه كما هي الحال في كل دول quot;مجلس التعاونquot; التي ترتبط شعوبها وحكامها بعلاقة تلاحم وطني وثيقة العرى وغير قابلة للتفكيك.