مأمون فندي


زمن القذافي لا يعني الزمن المتبقي للعقيد الليبي معمر القذافي في الحكم، فهذه نقطة بسيطة لفهم ما يحدث حولنا، ويمكننا القول إن ما تبقى من زمن للعقيد هو مجرد كلمة متلفزة، وصلاة جمعة، فرؤساء الجمهوريات العرب غالبا ما يسقطون في الخطاب الثالث وفي الجمعة الثالثة أو الرابعة في أحسن الأحوال، وهذا ما حدث مع زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر. القذافي ألقى خطابين حتى الآن: الأول كان بعد خروج بن علي من تونس، عندما قال: laquo;لماذا لا يصبر عليه التونسيون بضعة أعوام وسيرحلraquo;، وكأنه كان يتحدث عن نفسه. والخطاب الثاني عندما قال وهو يرفع مظلته متحدثا عن وجوده في طرابلس وليس في فنزويلا، وانتقد فيه ما سماه laquo;قنوات الكلاب الضالةraquo;، إذن تبقى له خطاب وصلاة جمعة، أيهما يأتي أولا. وهذا هو السهل في موضوع زمن القذافي.
في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2010، كتبت مقالا في هذه الصحيفة بعنوان laquo;جوليان أسانج ونيكسون وأحمد عزraquo;. قلت في ذلك المقال إن مؤسس موقع laquo;ويكيليكسraquo; جوليان أسانج، نقلنا في الزمان لمدة ثلاثين عاما إلى الأمام، أما أحمد عز فأخذ مصر 50 عاما إلى الوراء.

المعيار الذي اتخذته يومها لتوضيح الصورة هو أن الـlaquo;نيويورك تايمزraquo; قد كتبت عن وثائق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون التي أفرج عنها مؤخرا وخصوصا أحاديثه عن مساعديه من اليهود ودور أميركا في حرب العبور أو أكتوبر. الكلام حدث عام 1973 وأفرج عنه في 2010، أي بعد سبعة وثلاثين عاما. هذا هو الزمن الطبيعي المتعارف عليه للإفراج عن الوثائق الرئاسية الأميركية، أما غير الطبيعي، هو أن يفرج عن الوثائق بعد أعوام قليلة من كتابتها، وهذا ما فعله جوليان أسانج وموقعه المعروف بـlaquo;ويكيليكسraquo;. فلو كشف عن هذه الوثائق في زمنها الطبيعي، لكان جيلي قرأها ونحن في الثمانينات من العمر أي بعد ثلاثين سنة من الآن.. أما وقد رأينا وقرأنا ما كان من المفترض معرفته بعد سبعة وثلاثين عاما من الآن، فمعنى ذلك أن جوليان أسانج قد استطاع وفي ضربة واحدة أن يحرك الزمن العالمي أكثر من ثلاثين عاما إلى الأمام. أما أحمد عز، أمين تنظيم laquo;الحزب الوطنيraquo; في مصر، فقد أدار عجلة الزمن في مصر إلى الوراء من خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فبدلا من أن يأخذ مصر ثلاثين عاما إلى الأمام، كما فعل بنا جوليان أسانج، أخذ أحمد عز مصر إلى عالم الحزب الواحد، وعالم الستينات، وعالم الاتحاد الاشتراكي. أي أخذ مصر أكثر من خمسين عاما إلى الوراء.

قلت في ذات المقال إن ارتطام الأزمنة يؤدي إلى زلازل وهزات لا قبل لنا بها. قلت في ذات المقال يوم 13 ديسمبر 2010 إنه laquo;في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، استخدم محمد عطا وجماعته التكنولوجيا المتقدمة للطائرات من خلال تكنولوجيا التخلف المتمثلة في تذكرة سفر وسكين، وارتطم زمان محمد عطا بزمان مركز التجارة العالمي، فأحدث كارثة كبرى.. وقد يرى البعض في ذلك مبالغة في المقارنة، ولكن يبقى سؤال، ترى أي كارثة ننتظر عندما يرتطم زمان أحمد عز بزمان جوليان أسانج؟raquo;.

وارتطم زمان جوليان أسانج المتحرك إلى الأمام بزمان أحمد عز المتحرك إلى الخلف فحرك ثورة في مصر وأدى إلى زلزال سياسي في أكبر دولة عربية، معلنا بعدها سقوط نظام حسني مبارك يوم 11 فبراير (شباط) 2011. شروخ المنطقة لم تبدأ بجوليان أسانج ولا بالـlaquo;فيسبوكraquo;، شروخ المنطقة بدأت بغزو صدام حسين للكويت، غزو دفع ثمنه الكويتيون والعراقيون، ثم العمالة اليمنية التي طردت من الخليج، وقد كتبت بعدها مقالا قلت إن صدام قد غزا اليمن، لأن تبعات الغزو هي التي يدفع ثمنها اليمن إلى اليوم، الزلزال الثاني كان زلزال الحادي عشر من سبتمبر الذي على الرغم من بعده هز العالم العربي هزا. أما الزلزال الأخير، فكان في غزو العراق الأخير في عام 2003، كل هذه الهزات أحدثت شقوقا في مبان آيلة للسقوط وها هي تسقط عمارة تلو الأخرى، ومن القذافي اقترب، فقط تذكر أن الرئيس القذافي عاصر ما يقرب من ستة رؤساء أميركيين، ودعونا نعدهم علشان نفتكر، فهو في السلطة منذ أيام نيكسون، ثم كارتر، ثم ريجان، ثم بوش الأب، ثم كلينتون، ثم بوش الابن، ثم أوباما، آسف طلعوا سبعة رؤساء. تخيل أن ليبيا حكمها رئيس واحد في وقت تغير فيه رؤساء أكبر قوة في العالم سبع مرات. زمن القذافي وصل إلى نهايته، فقط نحن في انتظار خطبة جمعة وبعدها صلاة، تتبع بصلاة الشكر أو صلاة الميت، كل حسب ولاءاته ومشربه.