عبد الرحمن الراشد
في شأن تونس هناك من دافع ومن انتقد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفي الشأن المصري هناك من نافح ومن هاجم الرئيس المخلوع حسني مبارك، أما عند الحديث عن معمر القذافي، الزعيم السابق قريبا لليبيا، فيوجد إجماع ضد هذا الرجل لا مثيل له في العالم.
ورغم الإجماع على سوء القذافي، شخصا وفعلا، فإن القليل كان يقال ضده، بل كان يقدم على أنه زعيم العرب وضميرهم الشجاع وصاحب الحكمة والمواقف الشجاعة. كل هذا الهراء فجأة انهار إلى سيل من الشتائم والتنديد بالرجل وأفعاله. من حق الجميع أن يسأل أين كانت هذه التصريحات الشجاعة ضده ما دام أنه كان كتابا مفتوحا في إجرامه وجنونه على مدى أربعين عاما؟ لماذا خرست الألسن على طول العالم العربي وعرضه وعلى كل المستويات الإعلامية والثقافية المختلفة؟
الحقيقة أن القلة كانت تجرؤ على انتقاده حتى تلميحا، حيث عرف أن القذافي شخص مسعور مجنون لا يتورع عن ملاحقة وقتل من يتعرض له بالنقد. على مدى عقود أشاع مناخا من الإرهاب، شاركه فيه قلة من الزعماء العرب في المنطقة؛ من بينهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حيث عرفوا؛ ليس باستبدادهم، بل أيضا بوحشيتهم تجاه الإعلاميين والمثقفين.
وإذا كان الخوف هو المانع على اعتبار أن نقد الزعماء الوحوش أمر خطر على حياة الإعلاميين والشعراء والفنانين، فإن السؤال الأهم إذن: ما الدافع عند الذين أثنوا عليهم، فكتبوا فيهم القصائد، وشاركوا في الندوات المخصصة لإطراء عهودهم، وسطروا الصفحات التي امتدحوا فيها بطولاتهم؟
الحقيقة؛ لا يوجد سبب واحد مقنع للثناء على رجل متفق عليه في أنحاء العالم كمجرم حكم شعبه بالحديد والنار، سوى الانتهازية وانعدام الضمير. فقط الآن نراهم يتدافعون لشتمه والدعاء عليه وتبني مواقف بطولية ضد رجل كلنا نعرف أنه انتهى منذ أسبوع تقريبا.. ما قيمة فتوى بقتله إذا أطلقت الآن بعد أربعين سنة من العلاقة الحميمية؟ وما قيمة تسجيل مواقف عدائية له من الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يثنون عليه بأنه بطل العروبة ورمز الصمود؟
هذا النفاق.. الانقلاب الحاد في المواقف، لا يستحق أن يحتفى به، لأنه لا توجد شجاعة في غرز الخناجر في أحياء صاروا في حكم الأموات. الفارق كبير عندما ينقسم الناس بين مؤيد ومعارض حول حكم أو شخصية؛ فالرئيس مبارك مهما اختلفنا حوله في عهده وفي زمن جبروته، كان هناك من ينتقده في رابعة النهار وفي وسط المحروسة نفسها، وكان أقصى ما يخشونه إبعادهم عن دائرة المنافع الرسمية. أما العقيد القذافي، فقد كان إجرامه صفحة مفتوحة معروفة للقاصي والداني ولا اختلاف عليه.. وبالتالي؛ إن كان نقده عملا يهدد حياة النقاد، فإن مدحه لم يكن أمرا قسريا على الذين نافقوه في عهده، وإذا كان القريظ له من ضرورات ذلك الزمن، فعلى الأقل لا يستوجب اليوم افتعال بطولات بالتهجم عليه. إن من بين أكثر الناس دعاء على القذافي اليوم وشتيمة لعهده هم الذين تعشوا على مائدته.
التعليقات