عبدالمنعم الاعسم

لا ينبغي أن نخفف من مسؤولية رئيس الوزراء نوري المالكي عما اسماه النائب المستقيل جعفر الصدر ldquo;خيبة العراقيينrdquo; حيال ldquo;ما آل اليه الوضعrdquo; فهو نفسه لم يكن ليخفف من تلك المسؤولية او يتنصل عنها، كما ان الدستور العراقي النافذ عهد اليه، بوصفه رأس السلطة التنفيذية، ورئيسا لمجلس الوزراء بالمسؤولية رقم واحد عن تنفيذ السياسات والبرامج والتعهدات وعن مصائرها، كما ان فرقاء العملية السياسية وممثلي الكيانات المشاركة في عهد ما بعد الدكتاتورية قبلت تحمله المسؤولية الاولى مرتين، في العام 2006 و2010.

لكن علوم السياسة (والتجربة الديمقراطية حديثة العهد في العراق) تعطينا الحقيقة التالية: ان مسؤولية رجل الدولة الاول محدودة بمفردات يقرها العقد الاجتماعي- السياسي في البلاد وتتيح للمسؤول تكوين فريق من المسؤولين الاخرين (تتفاوت مسؤوليتهم) من الوزراء والمستشارين والخبراء ، عدا عن المسؤوليات الدستورية لرئيس الدولة ذات الصلة بحماية الدستور وضبط موجبات الشرعية والرقابة، وعدا ايضا عن مسؤولية الرأي العام والسلطة الرابعة والمنظمات غير الحكومية والكتلة الثقافية والاجتماعية، وعدا (وهذا مهم) عن مسؤولية المعارضة، وبخاصة المعارضة المنضوية في اطار العملية السياسية.

ليس سرا ولا يعد افتراضا او اتهاما القول بان المالكي كان حريصا على الامساك بالحلقات الاساسية لادارة الدولة، الامن والمال بخاصة، وربما كان يعمل (بالافادة من زخم الانتخابات) على توسيع سلطته (وهيمنة حزبه) قدما كلما سنحت الفرص لتحقيق ذلك، وكان هذا ذريعة البعض من شركائه ومعارضيه على حد سواء للنأي عن الاعتراف بمسؤوليتهم عن الاخفاقات والفساد وتدني الخدمات والتهديدات الامنية، فيما هم، في الواقع يتحملون جزءا ليس قليلا من هذه المسؤولية، والبعض منهم (باسمه او باسماء موالين) ارتكب مخالفات ومعاصي وذنوب، وفسد وافسد، واعطى وأخذ، وصال وجال، مما لا يمكن نكرانه حيث ان شهود المرحلة لا يزالون احياء، والبيّنات والوثائق لم تزل حية وصالحة للمراجعة.

وفي مجرى الازمات السياسية التي عصفت بحكومتي المالكي، الاولى والثانية، كانت المسؤولية تتمدد وتتقلص بشكل كيفي، فالفشل له مسؤول (بالتأكيد)لا يعترف به صاحبه او المتسبب فيه او المشارك في صناعته بشكل من الاشكال، فيما النجاح يسجل لمسؤول لا يعترف به الآخرون، بل ويحاولون إفساده وتنغيصه، وشاء المالكي ان يمضي في الدوامة الى شوطها الاخير حتى حدثت ساعة المراجعة، حين صعد الجمهور الى المنصة فأضيء المسرح عن الحقيقة: الجميع مسؤولون، وإن تفاوتت مسؤولياتهم.

*

ldquo;ما اكثر الصادقين، واقل الصالحين في الصادقينrdquo;.

الشيخ معروف الكرخي