البحرين والصراع الطائفي

محمد عبد اللطيف آل الشيخ
الجزيرة السعودية
ما يجري في البحرين من اضطرابات سياسية هو صراع طائفي بامتياز؛ ولا يمكن للمراقب أن يتعامل معه بمعزل عن أطماع إيران في المنطقة، وإذكائها المتعمد للصراع الطائفي بين السنة والشيعة ليصب في مصلحة الأهداف الإستراتيجية لإيران؛ يكفي أن تتابع قناة العالم الإيرانية، والناطقة باللغة العربية، وطريقة تعاملها مع أحداث البحرين، لتجد أنها تسعى بكل جهده لإذكاء الصراع الطائفي، ودفع الأزمة في البحرين إلى مزيد من الاشتعال؛ فقد خصصت هذه القناة كل ساعات بثها هذه الأيام للنفخ في نار الصراع، وتغطيته من زاوية محض طائفية؛ فهذه القناة قناة (تعبوية) هدفها وجل غايتها ليس التغطية الإعلامية الموضوعية للحدث، بقدر ما تسعى إلى صب مزيد من الزيت على النار لتأجيجها بطريقة واضحة لا تخطئها العين؛ وغني عن القول ما للإعلام اليوم من تأثير محوري في الدفع بالاحتجاجات والاضطرابات والمظاهرات إلى السطح.
قد يكون في البحرين تجاوزات وممارسات خاطئة ما كان يجب أن تترك منذ البداية دونما حل، ومن حق أي مواطن بحريني، بغض النظر عن انتمائه الطائفي، أن يطالب بإصلاح هذه الأخطاء، ويسعى إلى تعديل مسار السياسات الحكومية، وتصحيح التوجه؛ ولكن أن يكون المنطلق (شيعياً)، ومن يتزعم المطالبين هناك (المعممون)، والشعارات التصحيحية تحمل النفس الطائفي، فهذا يعني أن القضية هي صراع طائفي بين الشيعة والسنة؛ ولا يمكن للمراقب أن يأخذها على اعتبار أنها مطالبات تصحيحية سياسية أو اقتصادية في منأى عن هذا البعد الطائفي.
ومنذ نجاح الثورة الخمينية وإيران توظف الصراع الطائفي في المنطقة لخدمة أهدافها، وتضع من طهران أنها حامية الطائفة الشيعية في المنطقة، بينما أن الهدف هو خدمة المصالح الإستراتيجية الإيرانية، وتوظيف الصراع الطائفي ليكون بمثابة الثقب الذي من خلاله يلجون إلى شؤون المنطقة الداخلية لتأجيج الصراع الطائفي، ومن ثم توجيهه لخدمة إيران؛ وقد تكررت مثل هذه التدخلات (السافرة) عدة مرات وبطريقة مكشوفة في أكثر من مكان على الضفة الغربية من الخليج.
إيران يهمها في النهاية أهدافها ومصالحها الإستراتيجية، غير أن الذي يجب أن يعيه الإنسان الشيعي، سواء في البحرين أو في منطقة الخليج، أن هناك حقيقة مؤداها أن الضفة الغربية من الخليج منطقة ذات أغلبية سنية، وأن تكريس الخلاف الطائفي يسيء أول ما يسيء للشيعة، ويجعل التعايش السني الشيعي بين أبناء الوطن الواحد أمراً متعذراً، وهذا بحد ذاته هدف إيراني؛ فالتلاحم السني الشيعي في البحرين يُفوت على الإيرانيين أطماعهم، والعكس صحيح؛ أي كلما زادت الفرقة والتباعد بين الطائفيتين تهيأت للاعب الإستراتيجي الإيراني مساحة لتوظيفها بهدف تحقيق غاياته ومصالحه.
إيران لها مصالحها التي لا تتطابق بالضرورة مع مصالح الوطن البحريني؛ وعندما يأخذ المواطن البحريني النعرة الطائفية، ويقع في الفخ الطائفي، ويقترب من الإيراني على حساب ابتعاده عن مواطنه السني، فهو على المدى البعيد من سيدفع الثمن غالياً؛ فإيران ستتخلى عنه حتماً عندما تجد أن مصالحها تدعوها لذلك؛ إضافة إلى أن هناك نظرة عنصرية لا يمكن إخفاؤها عند الإيرانيين تجاه العرب بشكل عام؛ يستوي في ذلك المعممون بغير المعممين؛ ومن درس في حوزات الشيعة في إيران يجد هذه العنصرية في منتهى الوضوح من خلال تعامل ملالي الشيعة بالطالبة العرب عموماً، وبالبحرينيين بشكل خاص.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الخاسر الأكبر من إذكاء البعد الطائفي في البحرين، ناهيك عن بقية دول المنطقة هم (الشيعة) على المدى البعيد؛ فالبحرين جزء من منظومة (مجلس التعاون الخليجي)، وهي منظومة ذات أكثرية سنية، فضلاً عن أن اقتصاد البحرين يرتبط ارتباطاً وثيقاً باقتصاديات دول الخليج وليس إيران؛ ولن تترك دول هذه المنظومة البحرين - مهما كلفهم الأمر - تغرّد في الفضاء الإيراني؛ لذلك فإن من الموضوعية، إضافة إلى الرصانة، أن يضع عقلاء الشيعة في البحرين هذه الحقيقة أمام أعينهم في كل تعاملاتهم السياسية، ولا يذهبون بعيداً في تعاطيهم مع قضايا الإصلاح.
إلى اللقاء.
تحويل الشحن إلى عنف
منصور الجمري
الوسط البحرينية
كما توقع عقلاء البحرين من مختلف الفئات، فإن laquo;الشحن الطائفيraquo; بدأ يتحول إلى laquo;عنف طائفيraquo;... بدأ في الدوار السابع في مدينة حمد، هدأ قليلاً، ثم انتقل إلى البسيتين في وقت متأخر من مساء أمس. التفاصيل مختلفة، والجوهر واحد، وهو انزلاق الخطاب السياسي - الديني، وتصعيد المطالب التي اقتلعت كل السقوف، وانفلات المشاعر، وتشتت الآراء فيما يتعلق بالمخرج من الأزمة السياسية الحادة التي دخلتها البحرين منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011.
بحريننا أصبحت laquo;منقسمةraquo; في بيتها الصغير، وليس هناك وقت لإلقاء اللوم على من ساهم في الوصول إلى هذه النتيجة غير الحميدة، التي نعيش واحدة من فصولها، والتي نأمل أن تشحذ همم جميع العقلاء والأخيار للدخول على الخط، ووأد الفتنة، وإرجاع الطمأنينة إلى النفوس.
البحرين وقفت شامخة في مراحلها المديدة كرمز للتعايش السلمي، والفترات التي شهدت شحناً ومن ثم عنفاً، انتهت باجتماع ووئام... ولكن هذا كان في وقت سابق، في عشرينيات وخمسينيات القرن الماضي، ونأمل ألا تتطور الأمور إلى أكثر مما هي عليه الآن، إذ ينبغي أن يتدخل الجميع من دون استثناء لتشكيل laquo;لوبي ضاغطraquo; يمسك الوضع من كل جانب.
إننا بلد متعدد الأعراق والمذاهب والأديان، وأجدادنا عاشوا في تجانس حافظ على تعددية جميلة، وكانت النخب تلعب دورها المؤثر والإيجابي لتصحيح المسار الوطني، وكان التفاعل ديدن البحرينيين. ولعلنا في السابق كنا نعاني من laquo;حساسيات طائفيةraquo;، ربما تصعد إلى مستوى النكات الساخرة التي تنهزم عندما تشتد الأمور ويتدخل الفضلاء. أما الآن فقد تحول الأمر لدى البعض إلى laquo;طائفية عقائديةraquo;، بمعنى أنه يرى الآخر باطلاً، وأن التخلص منه يقربه إلى الله... ومن أجل ذلك يخطب ويتحدث في المنتديات وعلى الإنترنت وفي القنوات الفضائية التي أصبحت منطلقاً إلى بث السموم في جميع الاتجاهات.
تُركت الأمور تتطور سلبياً، بينما ركز الخطاب الرسمي على المجاملات والبروتوكولات والتحدث عن متطلبات النمو والازدهار الاقتصادي، هذا بينما الواقع كان يتحدث عن تخندقات ساهمت فيها جهات نافذة رسمياً أو دينياً أو مجتمعياً.
ثم جاءت الأحداث المتتالية في عدة بلدان عربية مطلع العام 2011، وسرعان ما لحقت البحرين بتلك الموجة العارمة نحو التحرر من القيود... ولكننا كنا ندعو إلى ضرورة الالتفات إلى خصوصية البحرين؛ لأن كل بلد يختلف عن الآخر، وبالإمكان الاستفادة من تجربتي تونس ومصر، ولكن لا يمكن تقليدهما؛ لأننا في وضع مختلف جداً، ومن المفترض أن تسود الحكمة والسداد في الرأي اللذان لا غنى عنهما في أي حال من الأحوال. إن الاستنتاجات من أي تجرية لا يمكن تعميمها من دون النظر إلى التفاصيل الموضوعية المختلفة، إذ تعاني الدولة والمجتمع من تقسيمات قبلية وعرقية وطائفية حادة.
المؤسف أن البعض كان يرى أن تعزيز هذه الانقسامات يضمن توازناً من نوع ما، ويحافظ على استقرار الوضع على شكل من الأشكال، ولكننا نجد أن تبعات ذلك خطيرة على من اتبع هذا النهج. مهما يكن، فإننا بحاجة إلى العقلاء للدخول على الخط، وإبعاد الساحة عن مزيد من هذه الانزلاقات