حسن أبو طالب


مع اقتراب موعد الاستفتاء علي التعديلات الدستوريةrlm;,rlm; يرتفع الجدل السياسي حول جدوي التعديلات في دستورrlm;1971,rlm; وهو في نظر كثيرين لم يعد موجوداrlm;,rlm; إذ أسقطته ثورةrlm;25rlm; يناير إلي الأبدrlm;,rlm; واستبدلته بشرعية الثورة

والتي تجسد طموحات المصريين في نظام ديمقراطي برلماني يدعم الحريات وينهي أي فرصة لعودة الاستبداد والديكتاتورية الفرديةrlm;.rlm; والغالب لدي هؤلاء هو الدعوة إلي رفض التعديلات أو عدم الذهاب إلي الاستفتاء أصلا والمقرر له السبت المقبلrlm;.rlm;
أصحاب الشرعية الثورية يرون الأولوية لوضع دستور جديد يمكن إعداده في أقل من شهرينrlm;,rlm; ويرون أن المرحلة الانتقالية لابد من إطالتها لعام ونصف او عامين حتي تستطيع القوي الثورية الصاعدة وكذلك الأحزاب الجديدة أن تثبت أقدامها وتنافس في الانتخابات وفي العمل العامrlm;.rlm; والخوف الاكبر لديهم يكمن في أن تأتي اي انتخابات برلمانية جديدة بمزيج من الاخوان وبقايا الحزب الوطني وأبناء العصبيات والعشائر في الريفrlm;,rlm; مما يجعل التحرك من وجهة نظرهم نحو نظام برلماني ديمقراطي أمرا مستحيلاrlm;.rlm;
لكن ليس كل الذين أسقطوا النظام السابق وشاركوا في ثورة الشعب المصري يرون الأمور بمثل هذه المعايير الافتراضية والتي تنحو إلي المبالغة حينا وتتجاهل اعتبارات الأمن القومي حينا آخرrlm;,rlm; كما لا يوافقون علي رفض التعديلات المقترحة وإطالة زمن المرحلة الانتقاليةrlm;,rlm; إذ يجدون في إقرار التعديلات المقترحة نافذة للعبور نحو تطبيع الحياة السياسية وإضفاء طابع دستوري عليهاrlm;,rlm; ومن ثم الاسراع بإنهاء المرحلة الانتقالية التي يقودها الآن المجلس الاعلي للقوات المسلحة والمحدد لها ستة اشهر بدأت بالفعل في الحادي عشر من فبراير الماضيrlm;,rlm; يوم أن تخلي الرئيس السابق عن سلطاتهrlm;.rlm; والمعروف هنا أن الجيش هو الذي عطل الدستور وهو الذي فتح الباب امام تعديله وهو أيضا من يملك أن يعيد العمل بالدستور المعدلrlm;.rlm; مصر إذا تواجه موقفين لكل منهما أصوله ومراميهrlm;.rlm; ورغم خلافهما الظاهريrlm;,rlm; يمكن القول أن الهدف الأسمي للموقفين معا هو الانطلاق نحو عهد جديدrlm;,rlm; تسوده الحرية وكرامة المواطن والمحاسبة والشفافية والتوازن بين السلطات والتطور السلمي للمجتمع والدولة المصريةrlm;.rlm; وبهذا المعني فهو مجرد خلاف علي آلية الوصول إلي هذا الهدف الأسمي المتمثل في نظام ديمقراطي حقيقيrlm;,rlm; والتخلص من بقايا النظام الاستبدادي الذي عاشه المصريون أكثر من أربعة عقود متتاليةrlm;.rlm; خاصة وأن الطرفين يتفقان من حيث المبدأ علي أن المطلوب هو صياغة دستور جديد يناسب المرحلة المأمولة مستقبلاrlm;,rlm; يصوغ نظاما جديدا للحكم تتقلص فيه صلاحيات الرئيس وتزداد فيه صلاحيات المؤسسات الأخريrlm;,rlm; خاصة البرلمان المنتخب بنزاهةrlm;.rlm;
ولعل المشكلة الأكبر هنا تكمن في قصر الفترة الزمنية المتاحة للمصريين لفحص ودراسة جدوي التعديلات الدستورية المقترحة وأهميتها وما يمكن أن تقدمه من أجل بلوغ هذا الهدف الأسميrlm;.rlm; فضلا عن سطوة الرأي القائل برفض التعديلات في أكثر من وسيلة إعلامية وصحفية واليكترونية وميل أصحابها إلي نزع الثورية عن المخالفين لرأيهمrlm;,rlm; بينما غاب تماما أو يكاد الرأي الآخر الداعم للتعديلات والموافق عليها كخطوة لتطبيع الحياة السياسيةrlm;.rlm;
ولما كان المجلس الاعلي للقوات المسلحة لا يملك أدوات إعلامية خاصة ولا يفرض رأيا علي المؤسسات الإعلامية القائمة بالفعلrlm;,rlm; مفضلا أن يترك المجتمع ليقرر بنفسه ما يريدهrlm;,rlm; فقد بدا المؤيدون للتعديلات وكأنهم أقلية لا صوت لهمrlm;,rlm; إلي أن قررت جماعة الاخوان المسلمين تأييد التعديلات الدستوريةrlm;,rlm; باعتبارها خطوة نحو استعادة الشرعية الدستوريةrlm;,rlm; ومن ثم دفع عجلة التغيير السلمي المحسوبrlm;.rlm;
يلاحظ المرء هنا أن المؤيدين للتعديلات الدستورية يقرون بالإشكاليات الموجودة في جوهر دستورrlm;1971,rlm; ولكنهم لا يرونها عائقا أمام تطبيع الحياة السياسية في مدة زمنية محدودةrlm;,rlm; لاسيما وأن التخوف من أن يأتي رئيس يمارس الصلاحيات الموجودة في الدستور بعد تعديله لا محل لها الآنrlm;,rlm; فوعي المصريين وقدرتهم الجماعية علي الثورة وفرض التغيير من جانبrlm;,rlm; ومتابعتهم لكل كبيرة وصغيرة في أداء المسئولين أيا كان مستواهم من جانب ثانيrlm;,rlm; وما تفرضه التعديلات نفسها من تشكيل جمعية تأسيسية في مدي زمني محدد لصياغة دستور جديد من جانب ثالثrlm;,rlm; ومدي الحريات الذي أصبح حقا مكتسبا للمصريين جميعا وغير قابل للتنازل أو التراجع من جانب رابعrlm;,rlm; فضلا عن انتهاء دور جهاز مباحث أمن الدولة في ترويع المواطنين والضغط علي المجتمع ككلrlm;,rlm; ناهيك عن عيون العالم كله التي اصبحت تراقب كيف تتحول مصر وتنتقل من حال الاستبداد إلي حال الديموقراطية والحريةrlm;,rlm; هي جملة عناصر متداخلة متشابكة من شأنها أن تجعل أي رئيس منتخب أكثر حرصا علي أن يدخل التاريخ باعتباره الرئيس الأول بعد الثورة الذي قاد البلاد نحو نظام ديموقراطي حقيقي مدعوما بتأييد الشعبrlm;,rlm; وليس رئيسا مستبدا مكروها تصبح الثورة عليه أمرا بديهيا غير قابل للنقاشrlm;.rlm;
ويقر المؤيدون أيضا بأن التعديلات المقترحة لم تشمل صلاحيات رئيس الجمهورية كلها وهي كثيرة ومتنوعةrlm;,rlm; ولكنها مع ذلك وضعت قيودا مهمة منها فرض حالة الطوارئ حيث وضعت التعديلات المقترحة ضوابط معينة أهمها ألا تزيد مدة فرض حالة الطوارئ عن ستة أشهر متتالية وإن رئي زيادتها فلابد من العودة إلي الشعب عبر استفتاء خاصrlm;,rlm; كما قيدت التعديلات أيضا صلاحية الرئيس في تعيين أو عدم تعيين نائب لهrlm;,rlm; والزمته أن يعين نائبا أو اكثر خلال ستين يوما من مباشرته لمهام منصبهrlm;.rlm;
ويدرك المؤيدون أيضا أن جل التعديلات المقترحة ركزت علي تيسير شروط الترشيح للانتخابات الرئاسية وتقييد مدة الرئاسة بحد أقصيrlm;8rlm; سنوات علي مدتين وحسبrlm;,rlm; وجعل النظر في صحة العضوية للبرلمان لمحكمة النقض وليس للبرلمان ذاتهrlm;.rlm; وبعبارة أخري فإن التعديلات المقترحة من شأنها أن تجهز البلاد لمرحلة انتقالية يقودها المدنيون انفسهمrlm;,rlm; وعبر انتخابات نزيهة وشفافة نحو عصر جديد طالما حلم به المصريونrlm;.rlm;
ويتصل بذلك أمر عمليrlm;,rlm; يتعلق بأن كثيرا من صلاحيات الرئيس وفقا لدستورrlm;1971rlm; موزعة أساسا في العديد من القوانين الخاصة بالقضاء والشرطة والجيش والاعلامrlm;,rlm; ولكي يتم تقييدها يتطلب الأمر تغيير هذه القوانين نفسهاrlm;,rlm; ولعل من الافضل هنا وبعد أن يتم انتخاب برلمان جديد أن يبادرrlm;,rlm; بصفته برلمانا ينوب عن الشعب بتغيير هذه القوانينrlm;,rlm; وبما يحد من صلاحيات الرئيس لكي تتسق مع روح الدستور الجديد الذي سيتم إقراره لاحقاrlm;,rlm; ومع طبيعة النظام السياسي البرلماني أو الرئاسي مقيد الصلاحيات الذي سيتم الأخذ بهrlm;.rlm;
هذا الادراك يعني ان إقرار التعديلات المقترحة ليس سوي خطوة في طريق طويل لبناء مصر جديدة آمنة مستقرةrlm;,rlm; لكنها خطوة كبيرة ومهمةrlm;,rlm; سوف تسهم في حماية الأمن القومي بدرجة أعلي بكثير مما لو أن الفترة الانتقالية طالت مدتها إلي عام أو أكثرrlm;,rlm; يظل فيها الجيش منتشرا في ربوع البلادrlm;,rlm; مطلوبا منه أن يحسم ملفات مدنية في كل المجالات ومعقدة بحكم طبيعتها وما تعرضت له من تشوهات تحت حكم النظام السابقrlm;.rlm; وهنا يأتي البعد المهم الآخر المتعلق بالتحولات الاقليمية المتسارعة والشائكة والتي تتطلب تركيزا في العمل والمتابعة والقرار المناسب من قبل المؤسسات المعنية بالأمن القوميrlm;,rlm; وفي المقدمة القوات المسلحةrlm;,rlm; والتي يقع عليها عبء كبير في حماية الوطن مما يحدث حول حدود مصر من كل الاتجاهاتrlm;.rlm;
إن عبور المرحلة الانتقالية الراهنة وتسليم السلطة كاملة للمدنيين المنتخبينrlm;,rlm; في صورة رئيس منتخب بنزاهة وبرلمان مدعوم شعبياrlm;,rlm; كفيل بأن يقدم صورة جديدة لمصر يحسب لها ألف حسابrlm;,rlm; وكفيل بأن ينهي مرحلة الضبابية والغموض التي تعيشها مصر الآنrlm;,rlm; وكفيل بأن يكون هناك حساب عسير لكل من تسول له نفسه التفكير في اجهاض طموحات المصريين وحقوقهم المشروعةrlm;.rlm; أما إن استمرت الفترة الانتقاليةrlm;,rlm; وتشكل مجلس مختلط بين مدنيين وعسكريينrlm;,rlm; وضاعت فرصة انتخاب برلمان حر أو تأجلت لمدي زمني بعيدrlm;,rlm; وظل الشعور العام بأن البلاد في حالة ضبابية كما هو الشعور السائد الآنrlm;,rlm; لفتح ذلك أبوابا عدة من الابتزاز الخارجي وصنوفا من الضغوط في الداخل وفي الخارجrlm;,rlm; ولأصبح وضع مخطط مدروس للنهضة في مدي زمني معقول أمرا عسيراrlm;,rlm; مما يفقد الثورة بريقها ويفقد مصر أيضا فرصة تاريخية في أن تقدم النموذج السلمي للتغيير الثوري الواعي والطموحrlm;,rlm; والذي تفتقده المنطقة العربية ككلrlm;.rlm; فالاستفتاء علي التعديلات هو فرصة تاريخية لكل مصري لكي يشارك برأيه في صنع مصر جديدةrlm;,rlm; ديمقراطية تتطلع إلي الأمام ولا تخشي شيئاrlm;.rlm;