ماجد عزام

قدم التعاطي الاسرائيلي مع الثورة المصرية وتداعياتها صورة واضحة عن حقيقة الدولة العبرية حيث الغطرسة والعنجهية والتعالي والانفصام عن المحيط كما الواقع المتردي والافاق الاستراتيجية القاتمة.
مع انطلاق الشرارة الأولى لانطلاق الثورة تعاطت اسرائيل معها على المستوى الرسمي- وحتى الاعلامي- باستخفاف وبدت التوقعات اقرب، في الحقيقة، الى الامنيات وطمأنة النفس بنظام مبارك المستقر والقوي والمتمرس في قمع الشعب والقادر حتما على مواجهة تحدي الثورة دون اي التفات الى الديمقراطية وحقوق الانسان ورغبة الشعب المصري في الانعتاق من نظام ظالم مستبد فاسد وقمعي حتى باعتراف الاسرائيليين انفسهم .
مع الاسبوع الثاني للثورة وبعد اتضاح عجز مبارك وزعرانه عن التصدي للثورة وملايينها خاضت اسرائيل حملة سياسية واعلامية واسعة للدفاع عنه تحت شعار الاستقرار اهم من الديمقراطية ومصالح اسرائيل والغرب لها الاولوية على اي امر اخر مع التباهي بان اسرائيل ليست فقط واحة الديموقراطية وانما ايضا واحة الاستقرار في اقليم مضطرب حسب تعبير نتنياهو وهذا الموقف تحديدا اثار المعلق الشهير توماس فريدمان الذي انتقد تناقض اسرائيل وانقطاعها عن محيطها فهي من جهة تتباهى بالديموقراطية التي توفر الاستقرار ومن جهة اخرى تتنكر لثورة شعبية وجماهيرية تطالب بالديموقراطية والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
في الاسبوع الثالث للثورة ومع اتضاح تحول مبارك الى جثة سياسية وخروجه من المشهد السياسي واستحالة بلورة اي حل بوجوده سعت اسرائيل بنجاح لدى الادارة الاميركية الى تسويق فكرة انتقال سلمي ومنظم للسلطة-بدون فوري- وكان هدفها الرئيس تسليم السلطة للجنرال عمر سليمان بصفته مرشحها المفضل والموثوق والمجرب للحلول محل مبارك ولافراغ الثورة من محتواها عبر الحفاظ على النظام وسياساته مع تغيير الرأس فقط .
صورة عن الموقف الاسرائيلي المتناقض والمتغطرس نجدها ايضاً في كيفية مقاربة شيمون بيريز للثورة المصرية وهو بداية كال المديح للرئيس المخلوع مبارك الذي رغم اخطائه حافظ لعقود على السلام والاستقرار في المنطقة والعبارة ليست سوى استعارة او تعبير حركي عن المساهمة في امن اسرائيل وحفظ مصالحها غير اننا نجد مزيدا من التناقض والغطرسة والانفصام في خطاب بيريز الذي القاه في افتتاح مؤتمر هرتسيليا لهذا العام حيث دعا الغرب الى عدم الصدام مع انظمة الاستبداد التي ترفض ادخال الاصلاحات الديموقراطية اليها وطالبه بدلا من ذلك بادخال التكنولوجيا المتقدمة وتشجيع شركاتها الكبرى على الاستثمار في هذا المجال الذي لا ترفضه تلك الانظمة والنتيجة برأي بيريز ان الشباب العربي سيحمل الاى فون بدلا من الحجارة والحقيقة ان هذا التصريح يحمل مضمون الموقف الاسرائيلي المتغطرس والمنفصم عن المحيط العربي غير الجاهز او غير المؤهل للديموقراطية وحتى التكنولوجيا المتقدمة تهدف اساساً الى حماية الانظمة التي تحمي اسرائيل والهاء او اشغال الشباب عن قضاياهم.
العجوز الفيلسوف والخرف غيّر اقواله بمجرد نجاح الثورة المصرية وانتقالها الى دول عربية اخرى وقبل توجهه الى اسبانيا لاجراء حوار ذي طابع استراتيجي مع مسؤوليها وتحت وطاة العزلة الشديدة التي تعانيها اسرائيل في الفترة الاخيرة حيث قال للاذاعة الاسرائيلية ان الانظمة الاستبدادية ستذهب بينما الفيسبوك باق في تناقض مع نظريته امام مؤتمر هرتسيليا عن امكانية المزاوجة بين تلك الانظمة والتكنولوجيا العالية وان من يحمل الاي فون لن يحمل الحجارة او حتى لن يخرج مطالبا بحقوقه ولو بشكل سلمي وحضاري كما رأينا في القاهرة والمدن المصرية والعربية الاخرى.
اثر انهيار نظام الرئيس المخلوع في مصر تعاطت اسرائيل مع الامر بهلع وكما دائما كان المدخل الامني حاضرا وهي قررت على الفور زيادة ميزانيتها الامنية بمبلغ مائتي مليون دولار وارسلت اهود باراك وعوزي اراد واخرين الى واشنطن واستقبلت الجنرال مايكل مولن في تل ابيب وتركزت الحوارات ذات الطابع الاستراتيجي على استخلاص العبر من الثورة المصرية وبلورة قناعات مشتركة تجاهها كما تجاه تداعياتها الهائلة على المنطقة وكما العادة كان الابتزاز الاسرائيلي حاضرا عبر مطالبة الولايات المتحدة بمزيد من الدعم المالي والعسكري لمواجهة الواقع الجديد في المنطقة حيث ترى اسرائيل اثارا سلبية هائلة وذات بعد استراتيجي للثورة المصرية عليها كما على مصالحها في المنطقة وهي تفهم ما جرى على النحو التالي:
-انهيار نظام مبارك يعني انهيار النظام الوحيد والاخير الحليف لها في المنطقة بعد انهيار نظام الشاه في ايران منذ ثلاثة عقود وانهيار التحالف مع تركيا منذ ثلاثة اعوام تقريبا وهذا الامر ستكون له عواقب استراتيجية حيث سيعمق من عزلة اسرائيل ويزيد الضغوط عليها ناهيك عن مواجهتها وحدها لحزمة كبيرة من التحديات الداخلية والخارجية دون شريك او حليف قوي ومصداق لديها.
انهيار نظام مبارك قد يؤدي ولو على المدى المتوسط والطويل الى انهيار معاهدة كامب ديفيد كما يعني وضع حد للمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية الهائلة التي جنتها اسرائيل من المعاهدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر نهاية حقبة الحروب الكبرى مع العرب وتكريس حقبة طويلة من الهدوء التي استفاد منها الاقتصاد الاسرائيلي بجوانبه المختلفة ومنها تغيير تركيبة الجيش وتقليص عديد الجيش البري لصالح التركيز على الاذرع الاخرى وادخال التكنولوجيا العليا اليها وفق مصطلح الجيش الصغير والذكي اضافة الى اطلاق يده في شن حملات وعمليات عسكرية موسعة ضد لبنان وغزة ببساطة انهيار المعاهدة يعني حدوث العكس تماما وعلى سبيل المثال ايضا وليس الحصر فان اسرائيل قد تواجه احتمال عودة الخطر الى الجبهة الجنوبية الشاسعة والمترامية الاطراف ما يعني ليس فقط تخفيف ضغطها واستنفارها على الجبهات الاخرى والشمالية تحديدا وانما اعادة نشر الجيش وتوسيع الذراع البرية وتخصيص مبالغ مالية هائلة والامران غير متوفرين حيث لا ميزانيات ولا حتى جنود لنشرهم بعدما تحول جيش الشعب الى جيش نصف الشعب حسب التعبير الساخر لاهود باراك وربما يتحول الى جيش ربع الشعب في العقود القريبة القادمة .
انهيار نظام مبارك ستكون له عواقب سياسية ونفسية كبيرة على الساحة الفلسطينية حيث ستفقد سلطة رام الله حليفاً وداعماً اساسياً بينما ستفقد سلطة غزة خصماً عنيداً وشرساً والنتيجة قد تكون موتاً رسمياً لعملية التسوية برمتها وربما انهيار سلطة رام الله نفسها وبالمقابل تصاعد قوة ونفوذ حركة حماس ومعسكر المقاومة بشكل عام وزيادة ثقته بنفسه وبخياراته وقدرته على خوض معركة الاستنزاف بوجه اسرائيل وصولاً الى النيل منها بشكل نهائي وحاسم .
انهيار نظام مبارك ستكون له برأي اسرائيل تداعيات اقليمية واسعة وقد يؤدي على المدى القريب والمتوسط الى انهيار انظمة حليفة لأميركا في العلن -و لإسرائيل في السر- وفي المقابل الى تقوية الانظمة والحركات المعادية لها والنتيجة اقليم جديد مختلف غير خاضع للهيمنة الاميركية التي تصب في مصلحة اسرائيل وأمنها ايضا .