فيصل جلول

على الرغم من طلب الجامعة العربية رسمياً وبقرار علني فرض منطقة حظر جوي على ليبيا، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، وعلى الرغم من طلب منتفضي الشرق الليبي من الدول الغربية توجيه ضربات عسكرية محددة لبعض المواقع الليبية للحؤول دون تقدم قوات العقيد معمر القذافي نحو الشرق، على الرغم من ذلك لم يتخذ مجلس الأمن قراراً بهذا الشأن بسبب اختلاف اعضائه وبخاصة ldquo;الدائمونrdquo; حول الموقف من القضية الليبية، الأمر الذي يستدعي التساؤل عن المخاطر العسكرية التي يخشاها الغربيون في ليبيا أم أنهم لايريدون إلحاق الأذى بالقذافي وأسرته؟ أم أن حساباتهم حول مستقبل ليبيا لم تكتمل بعد لجهة صورة المصالح وتوزعها على القوى المعنية .

الواضح ان المخاطر العسكرية التي يمكن أن تنجم عن منطقة الحظر الجوي تكاد أن تقترب من الصفر ولن تكبر اذا تطور الحظر نحو توجيه ضربات عسكرية محددة للقوات الموالية للعقيد القذافي . والواضح أيضاً أن التردد الغربي ليس ناتجاً عن حسابات متصلة بالشرعية الليبية، ذلك أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي طلبا من القذافي الرحيل وبالتالي ما عاد شرعياً بنظر الغرب، في حين اعترفت فرنسا رسمياً بالمجلس الوطني الليبي واستقبل الرئيس نيكولا ساركوزي ممثلين عنه في قصر الاليزيه .

أغلب الظن أن التردد الغربي يتصل بالاعتبارات التالية:

أولاً: ليس لدى الغربيين حتى الآن معطيات موثوقة حول ميزان القوى على الأرض بين القذافي وقبائل الشرق، وبالتالي ليس معروفاً ما اذا كان الحظر الجوي يمكن أن يؤدي إلى تقصير امد النزاع بين الطرفين أو اطالته، وبالتالي فإن الاضطرار إلى التدخل المباشر عن بعد على الطريقة العراقية والأفغانية أمر لا يريد الغربيون تكراره البتة .

ثانياً: يخشى الغربيون من أن يتحول التدخل الدولي إلى ورقة لصالح القذافي الذي سيدعّي انه يقاتل ضد الاجانب بدلا من ان يقاتل اليوم ابناء شعبه في شرق البلاد .

ثالثاً: سيكون من الصعب إقناع الروس والصينيين بلعب هذه الورقة من دون منحهم امتيازات معينة ومن دون إشراكهم في الكعكة الليبية، ناهيك عن أن موسكو وبكين تراهنان على فشل الثوار وبالتالي على عودة القذافي إلى الاسواق الروسية والصينية خصوصاً انه يمتلك قدرة شرائية مهمة للغاية .

رابعاً: لا يبدو ان الغربيين انفسهم قد توصلوا إلى تصور حول دور كل منهم في الافادة من الفرص الليبية لما بعد القذافي سواء لجهة الاستثمار في المجال النفطي أو في إعادة البناء أو انشاءات البنية التحتية، وإذا كانت فرنسا قد تقدمت خطوات إلى الأمام نحو المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا فإن ألمانيا مازالت مترددة، وإيطاليا تعتقد أن لها الحق وحدها بوصفها الدولة التي استعمرت ليبيا سابقاً ان تحدد الوجهة التي يتوجب اعتمادها في التعاطي في الشأن الليبي، علما أن روما بذلت جهوداً حثيثة خلال السنوات القليلة الماضية لطي صفحة الاستعمار وبالتالي فتح صفحة جديدة في العلاقات الايطالية الليبية .

إن اختلاف الأوروبيين في السياسة الواجب اعتمادها إزاء ليبيا، والسعي الأمريكي إلى إدارة الأزمة على انفراد للحصول على حصة الأسد في المزايا الليبية التي حرمت منها واشنطن خلال العقود الماضية، فضلاً عن تردد مجلس الأمن بسبب الحسابات الصينية والروسية، كل ذلك يوفر وقتاً ذهبياً للعقيد القذافي وهو يستغله إلى أقصى الحدود للاستيلاء مجدداً على المدن التي سقطت بيد ثوار الشرق حيث سيكون عليهم بذل جهود جبارة للمحافظة على المناطق التي بيدهم بعد أن راهنوا على تدخل دولي سريع يضع حداً نهائياً لنظام القذافي .

ثمة من يعتقد في باريس أن الوقت يلعب لصالح النظام الليبي، وأن على فرنسا أن تتحرك منفردة كما فعلت في البوسنة واجبرت الآخرين على اللحاق بها، علماً اننا لا نعرف تماماً حسابات الرئيس الفرنسي من هذه القضية . لكن الشيء الوحيد الذي نعرفه انه لا يتحرك كغيره من زعماء الدول الكبرى لنصرة حقوق الانسان الليبي بل من أجل رصيد ليبي معتبر هو وحده القادر على جمع الدول العظمى وعلى تفريقها في الآن معاً، مع الأسف الشديد بطبيعة الحال .



طباعــــة

إرســال

أضـف تعليــق